أخيراً وبعد مفاوضات ماراثونية شاقة ومعقدة وصعبة للغاية، وصلت المفاوضات الخاصة بالاتفاق النهائي حول أزمة سد النهضة إلى محطة الختام التي من المتوقع أن تكون مع نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل على أكثر تقدير، بعد أن ينتهي الجانب الأمريكي والبنك الدولي من صياغة الاتفاق بشكله النهائي، وضبط صياغة الاتفاقات القانونية، وصياغة بعض النقاط الأخرى التي لاتزال عالقة، ليدخل الاتفاق إلى حيز التنفيذ بعد أن يتم توقيعه من رؤساء دول وحكومات الدول الثلاث في واشنطن.

في الجولة قبل الأخيرة في واشنطن كان قد تم الاتفاق على الكثير من النقاط الفنية المتعلقة بقواعد ملء وتشغيل السد، إلا أن الوفدين الإثيوبي والسوداني طلبا مهلة للتشاور لحين انعقاد الجولة الأخيرة من المفاوضات التي احتضنتها كذلك العاصمة الأمريكية واشنطن، وحضرها وزير الخزانة الأمريكي، ورئيس البنك الدولي، والوزراء والمعنيون من الدول الثلاث (مصر ـ إثيوبيا ـ السودان).

خلال الجولة الأخيرة، وطبقاً لما أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية «راعي المفاوضات»، فإنه تم التوافق بين وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على استمرار المفاوضات حول السد حتى يتم التوصل إلى الاتفاق النهائي، بحلول الشهر الحالي، وأن الولايات المتحدة، وبدعم فني من البنك الدولي وافقا على تسهيل إعداد الاتفاق النهائي، ليتم إبرامه وتوقيعه من قبل وزراء ورؤساء الدول الثلاث المعنية.

حينما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم بدأت معالجة مختلفة وجادة هدفها الحفاظ على حقوق مصر التاريخية من المياه، وفي الوقت نفسه لا تتعارض مع أهداف التنمية الإثيوبية، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي حريصاً دائماً على التأكيد أن مياه النيل مسألة «وجودية» بالنسبة لمصر والمصريين، وهناك فرق ضخم بين الحق في الوجود والحق في التنمية.

كانت الخطوة الجادة الحقيقية الأولى في معالجة أزمة ملف سد النهضة هي توقيع «وثيقة إعلان المبادئ» في 23 مارس 2015 بعد مفاوضات شاقة بين الأطراف الثلاثة مصر وإثيوبيا والسودان، وتم التوقيع على الوثيقة خلال القمة الثلاثية في الخرطوم، وهي الوثيقة التي وقعتها مصر لتأكيد حسن النية للجانب الإثيوبي.

وعلى الجانب المقابل فقد وضعت وثيقة إعلان المبادئ التزامات محددة على الجانب الإثيوبي تجاه دولتي المصب، وأكدت ضرورة الاستخدام المنصف والمناسب للمياه، طبقاً لما جاء في المادة الرابعة من إعلان المبادئ، وهي المادة التي تصب في مصلحة الموقف المصري تماماً، لأن مصر تعاني «الشح» المائي وتعتمد كاملاً على مياه النيل في وقت تحظى فيه إثيوبيا والسودان بموارد مائية هائلة.

السودان دولة شقيقة، ومصالحنا مشتركة، ومصر والسودان دولة واحدة وشعب واحد، وفي الجولة الأخيرة طرح الجانبان المصري والسوداني صيغاً مشتركة، ولدينا ثقة كبيرة في الجانب الأمريكي الذي بذل جهداً كبيراً وموفقاً من أجل إنجاح المفاوضات، وتذليل العقبات، والتوصل إلى ما تم التوافق حوله.

ومن المؤكد أن الجانب الأمريكي سوف يواصل العمل حتى يتم الانتهاء من كل النقاط التي لا تزال عالقة للانتهاء منها بحلول نهاية الشهر الجاري  وبلورة النسخة الأخيرة من الاتفاق النهائي بشكل موضوعي ومتكافئ بين الدول الثلاث.

دور الوسيط الأمريكي والبنك الدولي كان يتمحور حول إقرار المعايير العلمية المتفق عليها في الاتفاقيات الدولية، واتفاق إعلان المبادئ، بما يضمن حقوق مصر المائية حالياً ومستقبلاً، وحق إثيوبيا في توليد الكهرباء من سد النهضة، طبقاً للعمليات الحسابية المدققة من المكاتب والشركات العالمية المتخصصة في هذا الأمر.

الآن وصل قطار المفاوضات إلى محطة الختام، ويتبقى فقط بعض النقاط العالقة القانونية والفنية، والتي تحتاج إلى حسن نية من الجانب الإثيوبي.

ودعم ومساندة سودانية واضحة وصريحة للجانب المصري بعد أن أكدت مصر حسن نيتها في الشراكة الاستراتيجية مع إثيوبيا والسودان بهدف تحويل حوض النيل إلى حوض لنشر الرخاء والازدهار والسلام لجميع دول حوض النيل بعيداً عن المراوغة والشكوك وسوء النيات من هذا الجانب أو ذاك.

وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن المفاوضات في حل أزمة سد النهضة دخلت بالفعل «الأمتار الأخيرة» بعد أن قطعت آلاف الكيلومترات على مدى 9 سنوات ماضية مليئة بالشكوك والمراوغة.

* رئيس مجلس إدارة «الأهرام»