رفض العرب في اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية وحضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطة السلام، التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب وإلى جواره رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو في لقاء بالبيت الأبيض، واعتبرها العرب بمنزلة نكسة جديدة في جهود السلام الممتدة على مدى عقود ثم توجت بالقرارات الأمريكية الأحادية المجحفة والمخالفة للقانون الدولي بشأن القدس والجولان والاستيطان، ولن يُكتب لها النجاح، لأنها لا تضمن الحد الأدنى من طموحات وتطلّعات وحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد العرب الالتزام بعدم التعاطي مع هذه الخطة المجحفة أو التعاون مع الإدارة الأمريكية بعدم تنفيذها بأي شكل من الأشكال، كما أكدوا مجدداً مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمة العربية جمعاء، والهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين، وحق دولة فلسطين بالسيادة على كل أراضيها المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ومجالها الجوي والبحري ومياهها الإقليمية ومواردها الطبيعية وحدودها مع دول الجوار.
كما أعادوا التأكيد على أن مبادرة السلام العربية، كما أقرت بنصوصها عام2002 هي الحد الأدنى المقبول عربيًا لتحقيق السلام من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، وضرورة أن يكون أساس عملية السلام هو حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية والمرجعيات الدولية المعتمدة، والسبيل إلى ذلك من خلال مفاوضات جادة في إطار دولي متعدد الأطراف.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد طالب خلال خطابه في حضور وزراء الخارجية العرب، العالم العربي بالوقوف إلى جوار الموقف الفلسطيني في معطياته النهائية التي تؤكد أنه لا سلام ولا خطة ولا تفاهم ولا تفاوض دون القدس.
كما أكد أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن على العرب أن يؤكدوا للعالم أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وأن القرار الفلسطيني له ظهير عربي داعم ومساند، لأن القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم فهي قضية عربية تجمع شمل العرب من المحيط إلى الخليج، إلا أن الطرح الأمريكي الأخير كشف عن تحول جاء في محددات الموقف الأمريكي لا يصب مع الأسف في مصلحة السلام أو الحل الدائم، إذ اعتبر بمنزلة ضوء أخضر لإسرائيل للمضي قدماً في خطة استهدفت ضم المستوطنات كلها وغور الأردن بأكمله.
والانتقال أحادياً عن بقية الأراضي المحتلة في الضفة، وتكريس الاحتلال الإسرائيلي وتحصينه وشرعنته ومثل هذه السيناريوهات لا تجلب استقراراً أو تقيم أمناً، بل تضع بذور مئة عام أخرى من الصراع والمعاناة، وأن البديل المنطقي الصحيح والآمن هو التفاوض المباشر من أجل الوصول إلى حل يستطيع كل منهما التعايش معه والقبول به.
ومن ثم ينبغي ألا تكون نقطة البدء لهذا التعارض الحد الأقصى لمطالب طرف دون الآخر، ولا أن تكون خطط الحل وتفاصيله مفروضة فرضاً على الجانبين أو أيهما ومقررة سلفاً، لأنها إن كانت مقررة سلفاً فعلام إذن يكون التفاوض؟!، وإنما المطلوب أن يبدأ التفاوض على أساس صحيح ومتكافئ.
ولن يستطيع الفلسطينيون مجابهة التحديات المفروضة عليهم دون الالتزام بوحدة الصف والتصرّف، ودون توحّد الموقف الفلسطيني وإنهاء تشتت أطرافه وتشرذم جماعاته، بما يضمن توافق كل الأطراف ليس فقط على مجرد خطوط عريضة بل على ضرورة توافق وتكامل كل مكونات مواقفهم بما يسد كل ثغرة متاحة تتيح النفاذ إلى داخلهم، لأن الطرح الأمريكي الأخير الذي يمثل تحولاً حاداً في السياسات الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتسويته منذ بدأت سيرة التسوية السياسية عام 1991 لا يصب مع الأسف في مصلحة التسوية أو الحل العادل.
كما أن السياق الذي تم خلاله الطرح الأمريكي الأخير في حضور الطرف الإسرائيلي دون الطرف الفلسطيني، والذي يبدو وكأنه محصلة تناقض بين الوسيط وأحد طرفي النزاع، يكشف عن انحياز مسبق لا يراعي أبسط قواعد التناقض التي ينبغي أن تلزم الوسيط بقدر من الموضوعية والحيادية لتحقيق ثقة جميع أطراف النزاع في عملية الوساطة.
ومن المؤكد أن السياق الذي قدم فيه الرئيس الأمريكي طرحه الأخير، لم يكن السياق الصحيح لوسيط غير مُنحاز سلفًا يرغب في كسب ثقة كل الأطراف، لأن حضور الطرف الإسرائيلي ممثلاً في رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو إلى جوار الرئيس ترامب في البيت الأبيض لحظة إعلان الرئيس الأمريكي لأول مرة طرح خطته للتسوية دون وجود ممثل فلسطيني، يمثل عنصر قلق وهاجس خوف يدعو للشك والريبة.
* كاتب صحافي