ليس في أروقة السياسة فحسب، بل على المستوى الشعبي العالمي، راح سؤال حول الرئيس التركي رجب أردوغان يتصاعد، هل هي أزمة لاجئين حقاً أم هي أزمة أخلاق لدى أردوغان؟

رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وفي مقابلة له أمس مع قناة «سي إن إن» الأمريكية، يجيب عن السؤال بكل وضوح وصراحة قائلاً: «إن الرئيس التركي رجب أردوغان، يروّج للأخبار الكاذبة، وأن أوروبا لن تخضع للابتزاز التركي، مشيراً إلى أن لبلاده كل الحق في حماية حدودها».

قبل سنوات كنا نتحدث عن مصطلح «الابتزاز السياسي» الذي ينتهجه أردوغان، كان البعض يرفض استخدام هذا التعبير، بالطبع السبب الرئيس بدا منذ استولى الإخوان المسلمون على ثورة 25 يناير المصرية ثم على حكم مصر عبر محمد مرسي، وحينها بدأ الترويج لـ«العثماني»، حامي حمى الإخوان باعتباره «خليفة للإخوان المسلمين»، فظهرت في الوطن العربي تحديداً وفي العالم الإسلامي آثار موجة ترويج إعلامي لشخص زعيم يتحلى بأخلاق عظيمة نادرة، فانطلت الحيلة على الشعوب وخاصة على الشعب التركي الذي انتخبه بثوب الإسلام السياسي في العام 2015.

خلال السنوات الخمس الماضية، ظهر للعالم الوجه الحقيقي للرئيس التركي، بعد سقوط أقنعته العديدة، ومنها تدخلاته في الدول العربية، والتي كشفت مباشرة أزمة أخلاق صادمة تحوم حول الرئيس التركي، ومع ذلك بقي جزء مغيّب من الشعوب العربية متمسكاً بالصورة الأولى حول أردوغان، ولكن قراراته في احتلال سوريا عنوة، وسيطرته على الحكومة الإخوانية الليبية، وأزمة اللاجئين السوريين، ساهمت بشكل كبير لمعرفة حقيقة الرئيس التركي أردوغان، على المستويين النخبوي والشعبي، في جميع أنحاء العالم.

ليست مسألة عابرة أن يشدد رئيس الوزراء اليوناني على اتهام الرئيس التركي بالكذب، وكذلك تأكيده أنه لا يمكن لأردوغان ابتزاز أوروبا بورقة المهاجرين، إضافة إلى قوله «على أردوغان أن يتوقف عن كونه المحرض على نشر أخبار كاذبة».

بالطبع فإن ما قامت به تركيا بفتح المجال أمام المهاجرين بالعبور إلى اليونان هي محاولة قرأها العالم أجمع أنها استغلال قاسٍ لأوضاع وأحلام المهاجرين واللاجئين تلعب وتعبث بها تركيا دون أدنى مسؤولية تجاه الإنسانية أو احترام لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية.

وقد قال المحلل السياسي الأمريكي مارك شامبيون عبر شبكة بلومبرغ، إن أمل أردوغان في أن يحقق حلمه باسترجاع ما تسمى الدولة العثمانية قد تلاشى خاصة بعد الأحداث التي وقعت خلال السبع سنوات الأخيرة، مضيفاً أنه رغم أن أردوغان يبذل جهداً لتكوين سياسة خارجية مستقلة لتركيا، لكن تلك الجهود أدت إلى خسارة الرئيس التركي للغرب، وتركت أنقرة وحدها للتعامل مع أزمة متصاعدة عبر حدودها مباشرة في شمال غرب سوريا.

الأزمة الأخلاقية الأردوغانية الجديدة تسببت مباشرة في حدوث صدامات بين الأمن اليوناني واللاجئين السوريين ما زاد من معاناة اللاجئين، فاستخدمت تركيا اللاجئين واستباحت دماءهم من أجل الضغط على الدول الأوروبية لدعمه في الصراع على إدلب، في ظل صمت مطبق من المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة وحقوق الإنسان.

اليوم، لم يعد الحديث عن الابتزاز السياسي الذي يقوم به أردوغان أمراً مستغرباً، قد يكون مبرراً من وجهة نظر بعض محطات الأخبار التي ما زالت تظهره زعيماً إخوانياً يتحلى بالأخلاق الحميدة، فتلقي على النظام السوري والروسي وأنظمة عربية وأوروبية المسؤولية الكاملة، ولكنها في الوقت ذاته تتجاهل سقوط القناع الأخير، الذي حدد أزمة اللاجئين، بأزمة أخلاق وإنسانية.

* كاتبة وإعلامية