لم يكن مستغرباً أن يسمح ظهور كورونا بإعادة تموضع دول في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول أخرى، ويبدو طبيعياً جداً أن تمد دولة قوية يدها لدولة أخرى ضعيفة لمساعدتها في محاصرة الفيروس، حتى بوجود خلاف بينهما، وأن تمنع دولة السفر إلى دولة صديقة، وتشدد الإجراءات، منعاً لنقل الفيروس الهجين، أو استقباله.ما تثيره الكوارث الطبيعية، كالهزات والزلازل والحرائق والفيضانات والأعاصير والأمراض السارية والمعدية وغيرها، من ردود فعل متعاطفة أو قاسية أحياناً، يثير أيضاً التساؤل حول ظهور «النكاية السياسية» التي قد تستخدمها دولة ضد دولة أخرى، وكأننا في صف مدرسي، يتسابق فيه الطالب المشاغب للتنمّر على طالب آخر، أو يشمت فيه، ويبدأ بمضايقته، مستغلاً ضعفه وسوء حاله.

قال أَبو النجم: «نَحْنُ مَنَعْنا وادِيَيْ لَصافا، نَنْكِي العِدا ونُكْرِمُ الأَضيافا»، فالأصل، في الأوضاع العادية، أن تنكي العدو وتكرم الضيف، أما في الكوارث والأزمات العاصفة، فالشيم ألا تشمت ولا تمعن في الجرح، بل تنظر نظرة إنسانية بحتة، لا مصالح فيها، لذلك يُعد خارجاً عن أصول القيم أن يتم توظيف «النكاية» السياسية والاقتصادية في الكوارث الطبيعية.

بالتأكيد سمعنا الكثير من الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة في انتشار الوباء العالمي، ونظريات أخرى، لا يتسع المجال لذكرها، لكن ومع أن الصين اتخذت إجراءات بالغة في الدقة والتشديد، وراحت تبث ما يدعو للطمأنينة حول محاصرة المرض، إلا أن المتحدث باسم الحكومة الصينية «تشاو لي جيان»، قال أمس على حسابه على (تويتر): «إن الجيش الأمريكي ربما جلب فيروس (كورونا) إلى مدينة ووهان الصينية التي كانت الأكثر تضرراً بسبب التفشي».

امتدت «النكاية» لتصبح تصفية حسابات بين الخصوم، فساهمت بتموضع دول وتغيير تحالفات، فمثلاً قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منع السفر من وإلى الدول الأوروبية باستثناء بريطانيا لمدة 30 يوماً لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، فيما أطلق عليه «حالة الطوارئ الوطنية»، لكن أوروبا، احتوت هذا الإجراء، ولم تُصعّد، بل دعت إلى قمة استثنائية مع الرئيس ترامب عبر الفيديو، غداً الاثنين، لمناقشة ملف فيروس كورونا المستجد وتنسيق الجهود حول اللقاح والعلاجات، واتخاذ تدابير اقتصادية ومالية.

على الصعيد الاقتصادي، تأثرت أسواق الطاقة بشدة، بتفشي فيروس كورونا المستجد، فأربك الفيروس الصغير، دولاً كبرى، فاضطربت أسعار النفط ومعدلات الإنتاج والبورصات وكذلك الفعاليات الدولية والرياضية وغيرها، وقد يمتد الاضطراب ويؤدي إلى إفلاس منتجي النفط الصخري ذي التكلفة العالية بحدود 49 دولاراً، وتعود أمريكا من جديد لاستيراد كميات مضاعفة من النفط الخام، بالأسعار التي تفرضها المنظمات والدول التي يمكنها السيطرة على الأسعار وتكاليف وكميات الإنتاج.

الدعم الذي تتلقاه السعودية في إنتاج النفط، من الإمارات تحديداً، جعل دول بحجم روسيا تتراجع وتعود عن المكابرة وتصرح «إن جميع الدول المصدرة للنفط في قارب واحد» وكأنها تقول «لا نريد للسفينة أن تغرق، دعونا نعود لطاولة المفاوضات».

هل هناك من يستثمر في الأزمات الإنسانية؟ ليس هناك شيء مستبعد، فتجار الكوارث الطبيعية، كتجار الحروب، لا يرحمون، فالإخوان المسلمون، مثلاً، يتاجرون اليوم بـ«فيروس كورونا» لتمجيد خليفتهم المزعوم أردوغان، وتنشط وكالاتهم وأذرعهم بالحديث عن خلو تركيا من المرض، لكنهم في ذات الوقت، يطعنون في كل تصريح لمصر أو للسعودية أو الإمارات، حول مواجهة الفيروس، والإجراءات المشددة حوله!

أعتقد أن التاريخ سيسجل كل ذلك، وسيحفظ جيداً، الدول التي قدمت يدها للإنسانية دون النظر إلى مصالحها، وكذلك الدول والجماعات التي تاجرت في الكوارث، وحاولت استغلالها لقهر وتخويف الإنسانية.

* كاتبة وإعلامية