تنشط معاهد ومؤسسات الدراسات الاقتصادية الاستراتيجية هذه الأيام، برصد الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة على وقع انتشار جائحة فيروس «كورونا»، ولا شك أن التركيز على حجم ومدى تأثّر القطاعات المباشرة كالنفط والصناعة والسياحة وأسواق الأسهم والطيران قد شمل أيضاً دراسة حجم التأثير الحالي والمستقبلي لقطاعات الفنادق والطعام والشراب والمواصلات وإلغاء أو تأجيل الفعاليات الرياضية والاقتصادية والعلمية بكافة أشكالها وأحجامها.
تقول الدراسات الاقتصادية المبدئية المسحية إن استمرار انتشار الفيروس التاجي الجديد سيؤدي حتماً إلى إحداث خسائر اقتصادية في جميع أنحاء العالم، دون استثناء، فظهرت النظرية التي تخالف الإغلاق التام ومنع وحظر التجول، كما في أمريكا، والتي رأت أن خسائر الإغلاق أعلى بكثير من الخسائر الأخرى، ولكن السؤال الملح هنا: هل خسارة روح بشرية واحدة قد توازي خسائر الاقتصاد؟ فما الجواب وقد بلغت الخسائر أكثر من 50 ألف روح بشرية حول العالم في 90 يوماً؟!؟
وجهة نظري أن الخسائر الاقتصادية يمكن تعويضها، أو التخفيف من أعبائها، في ظل وجود قيادات مجتمعية حكيمة متمكنة من إدارة الأزمات، ولكني متأكدة أن الخسائر البشرية لا يمكن تعويضها، خصوصاً في ظل السماح للجائحة بالاستمرار، فهذا الفيروس الهجين، يعيش على التقارب الاجتماعي وينتشر بفعل المخالطة، والذي يعني سقوط نظرية «خسائر الإغلاق» حتمياً، حيث إن نتيجة السماح بأي تقارب اجتماعي، ومن أي نوع، يعني أن قد يتضاعف عدد المصابين دولياً من أكثر من مليون حالياً إلى 30 مليوناً خلال الـ 90 يوماً القادمة!
لذلك، فما تحتاجه المجتمعات، العربية والدولية، هو التشديد على الحظر والمنع وعدم التقارب الاجتماعي، وكذلك وقف كافة الفعاليات أو تأجيلها، والعمل على إيجاد الحلول العاجلة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية المترتبة على الإغلاق، بطريقة أو بأخرى، مع زيادة الإنفاق الحكومي الدولي على القطاع الصحي، الذي يتحمل العبء الأكبر في محاصرة المرض ووأده أينما حلّ وارتحل.
اليابان مثلاً، لم تفكر طويلاً بحجم الخسارة المتوقعة لتأجيل دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، والتي بلغت نحو 11 مليار يورو لغاية الآن، حسب وكالة فرانس برس، فاستندت دراسات الخبراء إلى أن تأجيل بطولة طوكيو 2020 سيخفض الناتج المحلي الإجمالي لليابان بمقدار 5.5 مليارات يورو، لكنهم أكدوا أنه سيتم تعويضها فور إقامة الحدث في 2021، وكذلك الأمر بالنسبة لدوري كرة القدم يورو 2020، حيث قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تأجيل بطولة أمم أوروبا في العاصمة الإيطالية روما لهذا العام حتى 2021، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وفقاً للاتحاد النرويجي لكرة القدم.
وبالحديث عن الفعالية الأبرز عالمياً لهذا العام، إكسبو دبي 2020، وحيث توقع الخبراء حضور أكثر من 25 مليون شخص إلى الإمارات، يبدو منطقياً وعاطفياً وإنسانياً موافقة الإمارات على المقترحات والتوصيات التي تلقتها من دول مشاركة بشأن تأجيل هذا الحدث العالمي، والتي جاءت بناء على مراجعات درست حجم التأثيرات المتوقعة في حال إقامة هذا الحدث في ظل استمرار جائحة فيروس «كورونا».
بالطبع فإن قرار تأجيل «أعظم عرض في العالم» بمشاركة 192 دولة، هو من صلاحيات الجمعية العامة للمكتب الدولي للمعارض، حيث تنص المادة 28 من اتفاقية المكتب الدولي للمعارض «على أن تغيير المواعيد يتطلب موافقة ثلثي الدول الأعضاء». لكن وعد إكسبو 2020 أو إكسبو 2021، حسب وجهة نظري، سيظل: «ربط العقول، وخلق المستقبل» وفي حال الموافقة على التأجيل نقترح أن يضاف إليه: «تباعدنا في 2020 لنقترب أكثر في 2021».