بأسرع مما توقعنا في الأسبوع الماضي، أطل الإرهاب بوجهه القبيح، أراد أن يسجل حضوراً في قلب القاهرة، ليقول إن كل الضربات التي تلقاها لم تقض عليه. وتصور أن انشغال الجميع بمواجهة وباء «كورونا»، سوف يصرف الأنظار عن الوباء الأخطر، ويتيح للإرهاب أن يتحرك، لكنه فوجئ بأجهزة الأمن المصري تستبق تحركه وتداهم أوكاره، وتقضي على الخلية الإرهابية في وكرها، وهي ما زالت تستعد لعملياتها الإجرامية.

ولا مجال هنا لتكرار الحديث عن انحطاط الإرهاب الإخواني أو الداعشي، تاريخهم كله يقول: إن أوقات الأزمات هي أفضل الأوقات التي يتحركون فيها، وأن المخاطر التي توحد الشعوب لحماية الأوطان، هي بالنسبة لهم الفرصة المناسبة، ليواصلوا ما يجيدون فعله: نشر الدمار والتآمر ضد الدين والوطن.

ما ينبغي ملاحظته هنا، هو أنه منذ اندلاع المواجهة العالمية لوباء «كورونا» كان الإخوان بالذات يتحركون وكأنهم أمام فرصة لا ينبغي إفلاتها، وكان إعلامهم وإعلام العواصم، التي تدعمهم يزايد في الحملة على مصر بصورة اختلط فيها الجنون بالكراهية العمياء، حتى وصل الأمر لما أضحك العالم، حين شنوا حملة لترويج ما أفتى به مرشدو الضلالة، وما اكتشفته الأجهزة العثمانية وتوابعها من أن مصر هي مصدر الوباء، وهي التي صدرته للصين والعالم كله! ويبدو أن الأمر قد اختلط عليهم بين وباء «كورونا» والوباء الإخواني، الذي كانت بدايته- لسوء الحظ - على يد الاحتلال الذي كان يربض فوق صدر مصر، ومعظم العالم العربي في العشرينيات من القرن الماضي (!).

واللافت أيضاً أن اكتشاف الخلية الإرهابية في حي «الأميرية» بالقاهرة وتصفيتها لم يكن يترافق فقط مع حملات التحريض من عواصم الإرهاب وإعلام الإخوان، ولكنه يترافق أيضاً مع تحركات مشبوهة وخطيرة حول مصر، ففي ليبيا- ورغم جهود تثبيت الهدنة- كان التحرك الخطير لميليشيات الإخوان المدعومة من الرئيس التركي أردوغان مستغلاً انشغال دول العالم والمنطقة بمكافحة «كورونا»، تحركت الميليشيات حول طرابلس في محاولة لتأجيل استعادة الجيش الوطني للعاصمة الليبية، وتأكيد سيطرة شعب ليبيا على كل أراضيه.

وفي الجنوب كانت الفلول الإخوانية، تحاول التحرك لإثارة القلاقل في وجه الحكومة السودانية، التي تتعامل مع الحصاد المرير لثلاثين عاماً من حكم الإخوان، لكن التحرك السريع للحكم أجهض هذه المحاولات، ومن المؤكد أن تحركات فلول النظام الإخواني السابق سوف تستمر، لكن إرادة الشعب السوداني الشقيق قادرة على ضرب التآمر، والمضي في إنجاز مهمات الإنقاذ واستحقاقات هذه المرحلة المهمة في تاريخ السودان.

التآمر موجود قبل «كورونا» وبعدها، ووباء الإرهاب أخطر من فيروس «كورونا» والانحطاط الذي لا يفارق سلوك جماعات الإرهاب أو أفكارها لا يترك مجالاً لمجرد الظن أنهم يمكن أن يستعيدوا شيئاً من إنسانيتهم ولو لأيام تحشد فيها شعوب العالم كل جهدها لمواجهة الفيروس القاتل، الظن هنا إثم، لأنه يتيح لخفافيش الإرهاب أن تتحرك مع الخفافيش، التي يقال إنها جاءت بـ«كورونا»، لينشروا الدمار في العالم كله.

قبل «كورونا» وبعدها يستمر فيروس الإرهاب في نشاطه، وتستمر ميليشياته في عدائها للحياة، لكن علينا أن ننتبه بعد هزيمتهم في مصر ثم في سوريا، رأينا محاولاتهم لنقل فلول الإخوان والدواعش من سوريا إلى مواقع جديدة كانت ليبيا في مقدمتها، بعد أن أغلقت أمامهم أي أبواب للتسلل إلى سيناء، ورأينا دعم أردوغان مسلحاً بأموال مشبوهة للوجود في شرق أفريقيا، ثم في ليبيا، مع محاولات لإقامة تحالفات بين جماعات الإرهاب في وسط أفريقيا وشمالها.

الآن علينا الانتباه للأوضاع في هذه المنطقة، وأن نأخذ بجدية التحذيرات من آثار هجمة متوقعة من «كورونا»، تصبح فيها أفريقيا هي الضحية الأكبر لهذا الفيروس الشرس، وتنهار فيها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتستغل فيها جماعات الإرهاب الموقف، بينما العالم منشغل بالمواجهة مع «كورونا» وآثارها.

تحرك الإرهاب الإخواني والداعشي في هذه الظروف، هو دعوة لنا وللعالم كله ألا ننسى- ونحن في عز المعركة ضد «كورونا»- أن خفافيش الإرهاب هي الأخطر، وأن فيروساته هي الأكثر شراسة في عدائها للحياة.