سوف يظل «كوفيد - 19» لغزاً على البشر لفترة من الزمن؛ وحتى عندما يفك، وتفضح أسراره، فإن آثاره سوف تظل عصية على المعرفة؛ وفي مكان آخر حاولت التعرف على عقدة زمننا هذا فوصفته بأنه «المملكة الأخرى» التي لا نعرف لها حدوداً ومع ذلك شنت علينا حرباً شملت البشرية جمعاء.

205 دول وكيانات سياسية تعرضت للعدوان الذي لا يوجد فيه وقف لإطلاق النار، ولا سماح بهدنة لالتقاط الأنفاس أو حتى تبادل الأسرى، ولا يوجد فيها مناطق منزوعة السلاح ولا تسمح بإجراءات لبناء الثقة. هي ليست حرب «حدود» وإنما حرب «وجود» بالمعنى الحرفي للكلمات، فإما بنو الإنسان وإما الفيروس.

التجربة التاريخية قالت إن الإنسان خاصة منذ الثورة الصناعية الأولى نجح في إبادة الكثير من الميكروبات والفيروسات والبكتيريا؛ ولكنه هذه المرة وحتى كتابة هذه السطور منذ جرى الإعلان عن حالة الوفاة الأولى في الصين في شهر يناير الماضي لا يزال يكافح من أجل إنتاج لقاح للمرض، ولا يوجد أحد في العالم يعلم متى سوف يخرج هذا الملاك إلى الوجود.

ولغير المتخصصين فإن طبيعة الفيروس لا تبدو مثل كل الفيروسات، فهو مركب ساكن من حامض يختلط مع دهون تتحول إلى وحش كاسر عندما تخترق الجهاز التنفسي، ووقتها يبدأ العد التنازلي لوجود الإنسان حياً.

ما نعرفه حتى الآن هو أن الأزمة «مركبة»، فهي صحية تهدد حياة الإنسان، وحتى موعد كتابة السطور بلغت الإصابة عالمياً أكثر من مليونين، أما الوفيات فقد تخطت 100 ألف؛ وهي اقتصادية لأن جزءاً من علاجها سحب الجماهير، أو بعضها، من دوائر العمل والإنتاج، وفصلها عن بعضها البعض مع غلق وعزل مناطق ووسائل مواصلات؛ وهي اجتماعية لأنها تؤثر سلباً على قطاعات واسعة من المواطنين انخفض دخلها أو انعدم بالبطالة، كما أنها سوف تضع المواطنين أمام خيارات صعبة بعضها روحي يحقق نوعاً من السلام الداخلي بالصلاة الجامعة، وفي حالتي العمرة والحج، وكثير منها مادي يتمثل في فقدان أعزاء وتدهور في مستويات المعيشة.

والأزمة غامضة، فلا يزال علماء الكون يبحثون في كنه الفيروس الغامض، كما أنه لا أحد يعرف متى تنتهي الأزمة، ولا متى تستوي المنحنيات الإحصائية المبشرة بزوال الغمة عندما يتغلب الشفاء على الموت، وعدم اليقين كثيراً ما يولد الشك، ويعطي الفرصة لأهل الشر لاستغلال البلاء والدس بين الناس والحكم إما للكسب أو لتحقيق عدم الاستقرار.

ورغم أن الأزمة كانت مفاجئة إلا أنه يقع بداخلها مفاجآت، وخلال أيام برزت معضلة عودة بعض من تم شفاؤهم إلى المرض مرة أخرى، بعد أن كان الظن أن الشفاء يعني المناعة نتيجة تكوين الأجسام المضادة للمرض، ولكن بعد زوال الظن فإنه لم يكن معلوماً عما إذا كان ذلك راجعاً إلى عودة النشاط إلى الفيروس مرة أخرى، أو أن العدوى تظل ممكنة رغم زوال المرض وهو ما يعني أن المناعة غير حقيقية! والأزمة عالمية بكل ما يعنيه ذلك من معان؛ فشمال العالم وبالذات في الصين وأوروبا وشمال أمريكا كانوا أول المصابين؛ ولكن ذلك لا يعني أن باقي الكوكب معفي من الإصابة فالحقيقة أنه من النادر الآن وجود دولة أو كيان سياسي دون إصابة من المرض، ولكن السرعة والانتشار لا يزالان في أولهما في الهند ذات المليار و300 مليون نسمة، وبقية جنوب آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. ولكن عالمية المرض قدمت أيضاً إلى البشرية خبرات متنوعة للتعامل معه.

ما يشغل البال حقاً هو أن الأزمة حدثت في الوقت الخطأ بالنسبة للبشرية، فهو الزمن الذي انغلقت فيه الدول على نفسها، وكل منها ترى نفسها «أولاً»؛ وهي الفترة التي بدأ فيها الاتحاد الأوروبي في التفكك، ومعه فإن المنظمات الدولية متعددة الأطراف مثل منظمة الصحة العالمية ليست في أفضل حالاتها.

وبات جزءاً من المعضلة أن قصة «كوفيد-19» اختلفت في سرعتها ووتيرتها ومسارها من بلد إلى آخر؛ ورغم بعض التشاور الدولي أو الحديث عنه على الأقل فإن اتفاقاً لم يحدث لا على التشخيص ولا الدواء ولا البروتوكول، وما تبقى من كل ذلك كان حديثاً للخرس. لم يكن العالم مستعداً لمواجهة أيام صعبة!