أحدثت جائحة «كورونا» صدمة لنظام الطاقة العالمي، مع تفاقم التأثير بشكل أكثر قوة في دول مجلس التعاون الخليجي، التي طالما اعتمدت على قطاع النفط والغاز.

ومع اقتراب أسعار خام برنت من 20 دولاراً للبرميل ابتداءً من أواخر مارس 2020 (أدنى سعر منذ ما يقرب من عقدين من الزمن)، تُواجه الحكومات تراجعاً في النشاط الاقتصادي المحلي، وانخفاض عوائدها من قطاعاتها النفطية، وتضاؤل في مواردها لتلبية احتياجات مواطنيها. وبالرغم من شدة التحدي، بمقدور الأطراف الفاعلة في قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون التعامل مع هذه الأزمة على أنها فرصة لإعادة التركيز على الاستدامة على المدى الطويل.وفي ظل أسوأ السيناريوهات التي تفترض ثبات سعر النفط عند 20 دولاراً للبرميل لمدة عام كامل، فإننا نُقدّر أن الحكومات الخليجية قد تخسر ما يُناهز 500 مليون دولار يومياً من عائدات الدولة من النفط. ويتعين الآن على الأطراف الفاعلة في قطاع الطاقة في المنطقة أن تُحقق توازناً دقيقاً بين القرارات العاجلة والمهمة، وتحقيق التوازن بين مفاضلات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لعبور هذه الأزمة.

وبالفعل، اتخذت العديد من مؤسسات الطاقة إجراءات فعالة لتدارك الموقف على المدى القصير، من خلال الحفاظ على استمرارية الأعمال ودعم خطط الاستجابة الوطنية في مواجهة التحديات الهائلة. وتسعى بعض الجهات المعنية ذات الرؤية المستقبلية إلى بناء قدرتها على الصمود على المدى المتوسط من خلال برامج خفض التكاليف، ومبادرات تنمية قدرات الموظفين وغير ذلك من الإجراءات للتأهب للتعافي بعد انقشاع الأزمة.

المنهج الأكثر تحفظاً يتمثل في الافتراض بأن أساسيات صناعة الطاقة ستُعيد ترسيخ نفسها بوتيرة سريعة بعد زوال الأزمة الصحية. ووفقاً لمسار التفكير هذا، ليست هناك حاجة لتحرك كبير. وبدلاً من ذلك، يُمكن أن تتبنَّى الحكومات منهج التريث والترقب، مما يُؤجل الإجراءات الرئيسية حتى تتعافى أسعار النفط.

أما المنهج الوسطي فيتمثل في أن تعترف الحكومات بأن جائحة «كورونا» كشفت عن بعض مواطن الضعف الهيكلية في قطاع الطاقة، وتتخذ خطوات لإصلاحها. ومن بين أحد الجوانب الرئيسية للإصلاح تعزيز الجهود الرامية لبناء سلاسل التوريد والقدرات المحلية.

وبموجب هذا المنهج، بإمكان الشركات الاستثمار في المجمعات الكيميائية والصناعية التي تُوفر وسيلة للاندماج والتكامل على طول سلسلة القيمة. وتستطيع الجهات المعنية بقطاع الطاقة أيضاً توطين سلاسل توريد المواد والقدرات الداعمة من خلال التصنيع عند الطلب، وأنشطة البحث والتطوير، والتدريب والتعليم الفني المتخصص. وستؤدي مبادرات الرقمنة إلى زيادة مستويات الكفاءة.

أما المنهج الاستراتيجي الأكثر طموحاً فيتعامل مع الجائحة باعتبارها فرصة لإعادة تشكيل قطاع الطاقة بشكل جذري، والتأهب للتحوُّل العالمي طويل المدى بعيداً عن الموارد القائمة على الكربون. وتتطلب هذه الاستراتيجية خطوات جريئة في العديد من المجالات. أولاً، يُمكن للجهات المعنية بقطاع الطاقة شراء أصول عالمية بالأسعار المنخفضة حالياً من أجل التوسع في الصناعات التحويلية النهائية، وذلك من شأنه أن يضمن الوصول إلى الأسواق الدولية.

وبشكل أكثر طموحاً، تستطيع الجهات المعنية بقطاع الطاقة في المنطقة أن تُمهد الطريق لاحتضان شركات الطاقة النظيفة والمتجددة. وعلى وجه الخصوص، أن مصادر الطاقة الأنظف هذه ستُكمل - أو تحل محل - الاستهلاك الإقليمي للهيدروكربونات، مما يُساعد الشركات على تحقيق أقصى قيمة ممكنة للتصدير والتحويل من احتياطاتها المتبقية، حتى في عالم يُعاني من انخفاض أسعار النفط على المدى الطويل، وزيادة مخاوف الاستدامة. ونتيجةً لذلك، بمقدور دول الخليج أن تخلق اقتصاداً جديداً يُسهم في نهاية المطاف في استبدال عائدات مبيعات النفط الخام بقيمة تتحقق من أنشطة جديدة مثل إنتاج الهيدروجين الأخضر والصناعات الثقيلة المستدامة بيئياً. وهذه رؤية جريئة، لكننا نعتقد أنها تُمثل أفضل طريق للمضي قدماً. ويجب على الحكومات المعتمدة على النفط في دول الخليج ألا تأمل فقط في عودة الماضي، بل يتعين عليها أن تنتهز الفرصة للتحول في المستقبل.

 

جيمس توماس وفريدريك عزير، شريكان في «استراتيجي& الشرق الأوسط»