عندما شرعت في كتابة هذا الموضوع كتبت العنوان الموجود على رأس المقال، وفوجئت بولدي «راشد» يدخل غرفة مكتبي ليحدثني في أمر يَهمه. ولما وقع بصره على العنوان سألني مستفسراً: ماذا تقصد يا أبي بهذا العنوان؟ ومن الذي تُعلِّمه الإمارات؟ قلت: الإمارات تُعلم العالم، فرد متعجباً: الإمارات تُعلم العالم؟! كيف ذلك؟ ألا ترى أن العنوان ينطوي على شيء من المبالغة؟ سألته: هل قرأت المقال؟ أجاب: وكيف أقرأ شيئاً لم تكتبه بعد؟ قلت: وكيف تحكم على شيء لم تقرأه بعد؟! انتظر، ولنا حديث بعد أن تقرأ المقال، وستعرف بعد القراءة أنه لا توجد أي مبالغة في أن «الإمارات تُعلّم العالم».
مع تفشي فيروس كوفيد 19 مسبب وباء كورونا أوائل عام 2020 وامتداده السريع بصورة غير مسبوقة ليصل إلى جميع دول العالم، ويغطي كافة بقاع الأرض من دون استثناء، راحت رقعته تتسع على نحو مخيف ليأتي على كل شيء، ويحصد آلاف الأرواح كباراً وصغاراً، ويصبح كالنار في الهشيم، لا يمنعه شيء، حيث لم يتوصل أحد من الأطباء أو الباحثين بالمراكز البحثية حتى بعد نهاية الربع الأول من عام 2020 إلى ما يمكن أن يوقف انتشار هذا الفيروس اللعين أو يحد من أخطاره المميتة، فلم يعثر أحد على مصل أو لقاح أو دواء ينقذ البشرية من هذا الوباء القاتل.
وفي مواجهة هذه الظلال القاتمة، وفي محاولة لاحتواء الآثار المدمرة لهذا الوباء، ولا سيما في غياب أي عقار سواء للوقاية أو العلاج لم يكن أمام دول العالم إلا اللجوء إلى الحجر الصحي الذي يستهدف منع انتشار العدوى بين الناس نتيجة مخالطة المرضى للأصحاء سواء في الطريق العام أو في مؤسسات العمل في القطاعين العام والخاص أو في المؤسسات التعليمية، ويشمل ذلك المدارس والجامعات.
وكان مقتضى ذلك، الإغلاق التام لجميع المؤسسات التعليمية ومؤسسات العمل العامة والخاصة وتقييد حركة تنقل الناس على الطرق العامة، وفي المراكز التجارية، ودور العبادة إضافة إلى الحيلولة دون اختلاط الناس على المستوى الإنساني وهو ما أطلق عليه البعض التزام التباعد الاجتماعي.
ورغم فداحة الآثار السلبية التي رتبها الإغلاق التام والتوقف شبه الكامل لحركة النشاط الاقتصادي والتجاري في كل دول العالم، إلا أن توقف العملية التعليمية يعد أمراً مدمراً لن تقتصر آثاره على النيل من الوضع الحالي، ولكنها ستمتد لتشمل المستقبل الذي سوف تعاني أجياله القادمة تواضع مستوى «جيل كورونا» الذي حال حظه العاثر دون مواصلة تعليمه بسبب فيروس كوفيد – 19، جراء توقف العملية التعليمية في ظل الإغلاق الكامل لجميع المدارس والجامعات.
لم يكن من الممكن أن تقف الإمارات هذه الأرض الطيبة، مكتوفة الأيدي تشهد عجلة التعليم التقليدي وهي تتوقف تماماً بغير حراك من دون أن تفعل شيئاً، ولا سيما أنها تمتلك كافة الإمكانات العلمية والعملية القادرة على دفع عجلة العملية التعليمية إلى الأمام، ومد يد العون إلى العالم بأسره لمساعدته على تجاوز هذه المحنة التي جلبها هذا الوباء الخطير، وأدت إلى توقف مسيرة التعليم التقليدي، فنحن في النهاية جزء من العالم ولا يمكن أن نقف منه موقف المتفرج، فما كان من الإمارات إلا أن انطلقت لتعلم العالم كيف يُعلم أبناءه، وسط هذه الظروف العصيبة.
في جامعة حمدان بن محمد الذكية معقل التعليم الذكي في المنطقة لم يكن لدينا أي مشكلة في تواصل العملية التعليمية من دون توقف أو انقطاع. فالتعليم لدينا أساساً يجري عبر الوسائط الإلكترونية، ولدينا العديد من الأساتذة والخبراء من رواد التعليم الذكي، ولدينا البنية التحتية والتكنولوجيا المتطورة والقادرة على الوفاء بكافة متطلبات العملية التعليمية لجميع دول العالم، وفوق ذلك كله لدينا خبرة طويلة في التعليم الذكي بدأت عام 2002 عندما أطلق سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي مبادرة التعليم الذكي في إمارة دبي وأعطى إشارة البدء للانطلاق إلى آفاق جديدة من التعليم الذكي، ومن هذا المنطلق بدأنا في الجامعة باستراتيجية «الإمارات تُعلم العالم».
وتتلخص ملامح هذه الاستراتيجية في العمل على ثلاثة محاور أساسية. يتمثل المحور الأول في تدريب المعلم المواطن والمعلم العربي على كيفية استخدام أسلوب التعليم الذكي من خلال اجتياز دورة تدريبية تحت عنوان «كيف تصبح معلماً عن بعد في 24 ساعة؟» بما يستهدف تدريبه على مباشرة العملية التعليمية من دون أن يلتقي بطلابه وجهاً لوجه في القاعات الدراسية. وأما المحور الثاني فيتمثل في طرح هذه الدورة بلغات أجنبية غير العربية بهدف تعميم الاستفادة منها لغير الناطقين بالعربية. وكان المحور الثالث يتمثل في مساعدة معلمي القارة الأفريقية وتدريبهم من خلال التعاون مع منظمة التربية والعلوم والثقافة (يونسكو).
وأما كيف تم تنفيذ هذه الاستراتيجية فموعدنا معه في الجزء الثاني من هذا المقال.
* رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية