بدأنا الشهر الخامس من العام 2020 وإذا نحن والبشرية قد قطعنا زمناً طويلاً، ربما لا يزيد في الحساب على أربعة شهور وأيام أخرى، ولكنها تبدو كما لو كانت كابوساً طويلاً وممتداً يصعب الاستيقاظ منه. ما سبقه يبدو بعيداً جداً، وما سوف يلحقه يبدو كما لو كان مثل «غودو» الذي لا يأتي أبداً.
لا توجد علاقة ولا تشابه بين الليلة والبارحة أو هكذا تبدو الأمور بعد أن أجري تلخيص الحالة الإنسانية في عبارات مختصرة: المصابون الجدد إجمالي عدد المصابين في الدولة، عدد الذين انتقلوا من إيجابي إلى سلبي، عدد المتعافين، وعدد الوفيات. خلاصة ما جرى للإنسانية وقت كتابة المقال هي أن عدد المصابين على الكرة الأرضية اقتربوا من ثلاثة ملايين، وعدد من توفوا زاد على أكثر من ربع مليون.
وإذا الخط المستقيم يصل بين نقطتين، فإن أزمة «كوفيد 19» تصل بين ثلاثة نقاط: أولها النقطة «زيرو»- أو الصفر - أول من وصل إليه العدوى في كل دولة من دول العالم، وهذه أهميتها أنها تعين العاملين بالصحة العامة على تقصي المخالطين ومن انتقلت العدوى لهم أو كان الانتقال احتمالاً ينبغي التأكد منه.
وثانيها نقطة الذروة التي يصل عندها عدد المصابين إلى حده الأقصى الذي لا ارتفاع بعده حينما لا يزيد العدد اليومي للمرضى، ويكون من أضيف أقل من عدد الذين يشفون ويخرجون من دائرة الإصابة؛ وثالثها العودة إلى الحياة الطبيعية والتي تنتهي فيها كل إجراءات العزل، والاحترازات الاستثنائية الضرورية، وساعتها يصير «كورونا» مثله مثل بقية الأمراض.
ولكن هذا التصور كان نظرياً، فما حدث فعلاً أن العالم بات ممسوساً بصيحة أو «مفهوم» «العودة إلى الحياة الطبيعية»، وبات هو المسيطر على التفكير العالمي والمحلي والسياسات المترتبة عليه. البداية تكمن في التطلع إلى المستقبل، أو المرحلة التي تلي السيطرة على الفيروس الخطير، وتتلاءم مع توقع ظهور دواء أو أدوية ولقاحات تتعامل مع المرض في وقت ما، مع الاستعداد لاستخدام أدوية مرحلية تخفف من الآلام ويجري استخدامها في الحالات الحرجة. الاتفاق العام في الخطاب العالمي والمحلي هو على التدرجية في الخطوات.
ومصاحبة كل خطوة عملية على الانفتاح الاجتماعي بالكثير من الإجراءات الاحترازية التي تلقي عبئاً كبيراً على المواطنين ذاتهم باعتبارهم المصدر الأساسي أو الذي نعرفه للفيروس من ناحية وأن ذات الإنسان هو الهدف من ناحية أخرى. الاتجاه نحو العودة للحياة الطبيعية يستند عالمياً ومحلياً إلى التجربة العالمية التي باتت غنية.
والتي أخذت خطوات واسعة في تايوان وكوريا الجنوبية وفيتنام وهونغ كونغ والسويد، والتي جعلت من شهر مايو فترة البداية في دول أوروبية مثل ألمانيا وسويسرا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
ولكن كل دول العالم أو قرابة ذلك ليست متطابقة من حيث مراحل العدوى ما بين النقطة «صفر» التي تم عندها اكتشاف أول المصابين بالمرض؛ ونقطة الذروة التي يتوافق كثير من الخبراء على أنها اللحظة التي عندها يبدأ منحنى صعود وانتشار الفيروس في التباطؤ والانحسار. ولذا فإنه ليس من المتصور أن يخرج كل العالم بسرعة، أو خلال الشهور القليلة المقبلة، من الجائحة.
وإنما سوف تظل تمثل الذروة نقطة محورية في إدارة السياسات الداخلية والخارجية للدول. والمرجح أن دول العالم المختلفة، كل حسب ظروفها الخاصة، سوف تتلمس طريقها للانتقال من الحالة الاستثنائية للأزمة إلى استعادة دورات الإنتاج والتطور والحياة المعتادة بعد أن تكون الأزمة قد تركت آثارها وندوبها وبصماتها على برامج وأولويات المجتمعات، لكي نصل في النهاية إلى ما يسمى «العادي الجديد» أو The New Normal. ولن يكون بعيداً عن هذا السعي ترقب التغييرات الكونية في التعامل مع آثار الأزمة والمتغيرات التكنولوجية المصاحبة لها، وتوازنات القوى، وقدرات الدول على التأثير وبث النفوذ، وهكذا أمور.
بشكل ما كان ذلك هو مسيرة فيروس «كورونا» الذي بات معروفاً تاريخياً باسم «كوفيد 19» بسبب أنه بدأت المعرفة به في شهر ديسمبر 2019 وجعل العالم في حالة ليس هناك مثلها في التاريخ المعاصر. صحيح أنه كانت هناك أوبئة من قبل، ولكن أياً منها لم يفعل ما فعله الوباء الحالي، ولا ما أثاره من توقعات حول بنية العالم وتوازناته ومصير الإنسان ومستقبله الغامض حتى الآن.
* كاتب صحافي