الخاسر الأول من التدخل التركي السافر في ليبيا هو الشعب الليبي، وبلا شك، فإن حكومة الوفاق الإخوانية التي سمحت لأردوغان بأن يغزو ليبيا وينقل لها المرتزقة الإرهابيين، لمقاتلة الجيش الوطني الليبي، ستجد نفسها، عاجلاً أو آجلاً، وقد «أُكلَت يوم أُكل الثور الأبيض».

ليس الشعب الليبي وحده الخاسر في خطة تركيا الانقضاض على ليبيا، بل سيكون هناك خسارة كبيرة تدفع ثمنها أوروبا بعيد سيطرة أردوغان على آبار النفط الليبية وكذلك حين يبدأ الدفع، كما فعل في سوريا، لتهجير الليبيين إلى أوروبا، والفرق بين الحالتين، هو أن تركيا دفعت بالتهجير القسري من سوريا نحو أراضيها، لابتزاز أوروبا من جهة، ولمحاولة خلق دويلة لهم على حدودها تحول بينها وبين الأكراد، أما في ليبيا، فإنها ستعمل جاهدة على موجات هجرة ونزوح لمهاجرين يهربون من ويلات الميليشيات الإرهابية التي راحت تتجمع على غير هُدى.

الرهان التركي على الدعم الأمريكي في سوريا، باعتبار تركيا عضواً في ناتو، ونكاية في الروس هناك، يقابله محاولات تركية مضاعفة للحصول على دعم أمريكي في ليبيا، فيتم تصوير أن روسيا فاعلة بقوة على الأرض الليبية وتتحكم في مسار الحرب هناك، ومع أن أوروبا تدرك ذلك، وتعلم أن توجه أمريكا نحو ليبيا، بالحد الأعلى من الدعم، سوف يجعل كفة الميزان تميل لمصلحة الأتراك، ما يفاقم نتائج أي حرب هناك، بالمزيد من تقوية تركيا في مجال النفط وكذلك موجات النزوح الحارقة لأوروبا، ومع ذلك ما زالت تصريحات أوروبا خجولة، كأنها تنتظر المجهول، بلا مراجعة ولا تدقيق.

لم يبقَ أحد من الشعب الليبي، بمن فيهم حكومة الوفاق الإخوانية، لم يسمع بتصريحات الرئيس التركي الواضحة والمباشرة بأن الوجود التركي هو تجديد الحلم العثماني القديم، حلم الآباء والأجداد، باستعادة الأراضي الليبية إلى حظيرة الإمبراطورية العثمانية البائدة، ولكنهم، ولسبب غير مفهوم، ما زالوا يدعمون الوجود التركي، ضد جيشهم الوطني الليبي، وضد السلام والاستقرار في ليبيا...!

وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، ينقل أردوغان المرتزقة السوريين، جهاراً نهاراً، بحراً وجواً، من شمالي سوريا، إلى طرابلس ومصراتة، ويقدم لهم دعماً مالياً، قال عنه المرتزقة أنفسهم، إنه بمعدل ألفي دولار، لم يدفع منه أردوغان سوى دفعة بسيطة، لا تتجاوز 500 دولار، على وعود بدفع ما تبقى، عند نهاية الحرب لمصلحة تركيا، وإثر تلك الاعترافات الصادمة، تتبدد الشعارات الوطنية التي رفعها الإرهابيون في سوريا، على مدار سنوات، ليدرك العالم أنهم ليسوا وطنيين، ولا ثورجيين، إنما مجرد مجموعات من المرتزقة المارقة.

اعترافات الإرهابيين، المنشورة على نطاق واسع، والتي حملت أيضاً الأنباء عن نقل الكتيبة الإرهابية التي يرأسها محمد الرويضاني، المسؤول الأمني السابق في داعش، وتضم أكثر من 50 عنصراً إرهابياً، من سوريا للقتال في ليبيا.

وغيرها من الاعترافات والأنباء، ليست دليلاً على تورط أنقرة في الحرب على ليبيا فحسب، بل هي الدليل الأكثر وضوحاً على أن تركيا، ومنذ ظهور داعش، والحرب في سوريا، كانت وما زالت الدولة التي تقوم بتجنيد ودعم وتمويل الإرهابيين، الذين عاثوا فساداً وتخريباً في سوريا.

ليست سوريا أو ليبيا وحدهما وجهات أردوغان الاستعمارية التوسعية، بل تشي كافة التلميحات والتصريحات الإخوانية اليمنية، المقيمة في تركيا، عن رائحة مؤامرة تركية إخوانية للسيطرة على سقطرى والتدخل في الحرب في اليمن، لمصلحة الإخوان المسلمين، وبالتالي سيصبح هذا التدخل، الذي بدأ، أو سيبدأ قريباً لمصلحة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.

هل سيبقى العالم صامتاً أمام جميع التدخلات التركية، أم أننا سنشهد قريباً، من سيقول: كفى أردوغان؟