على مرأى ومسمع من العالم، يواصل الرئيس التركي أردوغان جريمته في حق ليبيا العربية وشعبها الشقيق، ولم يكن خافياً ما يقوم به من حشد للمرتزقة لكي يدعموا الميليشيات الإخوانية، وباقي فصائل الإرهاب التي تسيطر على العاصمة الليبية بقوة السلاح.
أكثر من عشرة آلاف من هذه العناصر المرتزقة، جاء بها أردوغان بعد أن توافر له التمويل من مصادر لم تعد تخفي هويتها ولا تداري مشاركتها في التآمر المستمر على مستقبل ليبيا، ومع آلاف المرتزقة كانت – وما زالت – شحنات السلاح لا تنقطع ومعها الخبراء العسكريون الأتراك.
مثل كل الجماعات الإرهابية، يتصور أردوغان أن هذا وقته (!!)، فالعالم مشغول بمقاومة وباء كورونا وتفادي مخاطر تحول الحرب الباردة الجديدة إلى ما هو أسوأ، وأوروبا في أضعف حالاتها، والولايات المتحدة غارقة في مشاكلها، والصراع المتصاعد مع الصين يستقطب اهتمامها، والبحر المتوسط، الذي كان قبل سنوات قليلة يعد بالتحول إلى بحيرة للسلام والتعاون، أصبح ساحة لتنافس يشتد، وصراع – ما زال في بدايته – على الثروات النفطية والنفوذ الاستراتيجي، بعد أن عاد الروس بقوة.
ومثل كل المغامرين بمستقبل بلادهم، يتصور أردوغان أن ما مارسه في سوريا والعراق، وما يمارسه في البحر المتوسط من بلطجة وابتزاز، هو الأسلوب الأمثل للهروب من مشاكله الداخلية مع وضع اقتصادي بائس، وتراجع يقوض كل ما تحقق قبله من إنجازات لتركيا، حين كانت متصالحة مع العصر، وقبل أن تسقط في قبضة الفكر الإخواني والأوهام العثمانية، التي تضعها على حافة الكارثة.
رهان أردوغان كان – وما زال – أن خلافات أوروبا ستمنعها من التدخل لوقف عدوانه، وأنها ربما ترى في نقل الخطر من حدودها مع تركيا إلى الجنوب في ليبيا فرصة لتأجيل صدام قريب يهدد فيه أردوغان أوروبا بإطلاق ملايين المهجرين، وعشرات الألوف من الإرهابيين لاقتحام الحدود.
ورهان أردوغان كان – وما زال – أن صراع المصالح الكبرى، الذي يتصاعد بين روسيا وأمريكا في ليبيا يمنحه الفرصة، لتنفيذ مخططاته وتوسيع تواجده ونفوذه هناك، كما فعل في سوريا ولو إلى حين!!
لكن الجانب الآخر من الصورة يكشف الحقائق على الأرض، بعيدا عن الأوهام، ويؤكد أن الرهان الأردوغاني في ليبيا، لن يكون مصيره أفضل من الرهان الإخواني الذي أسقطه شعب مصر في 30 يونيو، حين أنهى حكم الإخوان الفاشي.
لم تكن الصورة في ليبيا أوضح مما هي الآن، لم يعد خافياً على العالم كله أن أردوغان والإرهاب الإخواني – الداعشي، ومعهم الداعمون بالمال المنهوب من الشعوب في جانب، وأن المجاهدين من أجل استعادة دولة ليبيا لشعبها والحفاظ على وحدة أراضيها وضمان الاستقرار بها في جانب آخر.
ولم يعد خافياً، أننا أمام حلقة جديدة من حلقات مسلسل نشر الفوضى الهدامة، وأن هناك من لا يزال يراهن على وباء الإرهاب المتأسلم، الذي يجمع أوهام العثمانيين مع ضلالات الإخوان، والأموال العربية المنهوبة، لتنفيذ مخططات هدم الدولة الوطنية وتدمير حاضرها ومستقبلها.
ولم يعد خافياً، أن الظروف الاستثنائية التي سمحت لأمثال أردوغان بالاستمرار في مغامرته، حتى الآن، لا يمكن أن تستمر، فالمخاطر تتجاوز ليبيا بكثير، والجوار العربي والإفريقي مهدد، وأوروبا - رغم كل مشاكلها – لا تتحمل سوريا جديدة على الحدود الجنوبية للمتوسط، وترك ليبيا لتتحول إلى ساحة للصراع الروسي- الأمريكي سوف يفتح أبواب جهنم على الجميع.
وفي ظل غياب موقف عربي موحد من التطورات الخطيرة على الساحة الليبية، كان مهما أن يصل صوت الجارة الكبرى مصر، واضحاً وحاسماً، رغم دقة الظروف التي تمر بها المنطقة، فليبيا قضية أمن قومي لمصر، والخطوط الحمراء محددة بدقة للجميع، بمن فيهم الواهم أردوغان وحلفاؤه من الإخوان والتابعين والممولين، وكان لافتاً أن يكون توضيح موقف مصر أمام أوروبا والعالم، من خلال المحادثات بين الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي ماكرون.
حيث أكد الرئيس السيسي على موقف مصر الاستراتيجي الثابت، الرافض للتدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي، والذي يربط الحل السياسي المنشود باستعادة أركان ومؤسسات الدولة الليبية، والقضاء على فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ويؤكد ارتباط الوضع في ليبيا بأمن واستقرار المنطقة، ويمنع تحول البحر المتوسط إلى ساحة لصراع مدمر لمصالح الجميع.
والرهان هنا ليس على الوعي الغائب لأردوغان، الذي يسير لنهايته المحتومة في كل الأحوال. الرهان على أن تدرك القوى المتصارعة على ليبيا، أنها سوف تكون أكبر الخاسرين لو استمر التهاون في التعامل مع الإرهاب الأردوغاني الإخواني، وكأنها لم تتعلم شيئاً من تجارب الفوضى الهدامة، التي زرعتها في المنطقة، وتجني الآن ثمارها المرة على حدودها وداخل أراضيها، ومن مصالحها التي تخضع لمنطق البلطجة والابتزاز.
* كاتب صحفي