وسط احتفالات جماعة الإخوان الإرهابية بالغزو التركي لأرض ليبيا، الذي يتصورونه تمكيناً لهم وتحكّماً في مصير شعب ليبيا العربي، بينما يتصوره أردوغان إحياء للاستعمار العثماني البائد ونهباً لثروات ليبيا، لم يتمكن بعض قادة الإخوان من إخفاء مشاعرهم الحقيقية كخونة للدين والوطن، فإذا بهم يدعون المسؤولين في دولة إثيوبيا إلى انتهاز الفرصة لحسم قضية «سد النهضة» على حساب شعبي مصر والسودان، وبثمن فادح من أمن واستقرار البلدين، حيث مياه النيل هي شريان الحياة!
ولا غرابة بالطبع في هذا الموقف، فهؤلاء هم «الإخوان» على مدى تاريخهم الذي قضوه في خيانة الأوطان التي يعتبرونها حفنة من تراب عفن، وفي الوقوف على الدوام ضد المصلحة الوطنية والانحياز إلى أعداء الأمة تحت شعارات خادعة «أو كانت كذلك قبل سقوط الأقنعة».. ألم يعترف مرشدهم بأنه صلى ركعتي شكر لله بعد هزيمة يونيو 67؟! وألم نسمعهم يكبرون على منصة رابعة بعد أن أذاعوا أكاذيب أن الأسطول الأمريكي قادم لضرب مصر وإعادة حكمهم الفاشي؟!
ها هم الآن يتسببون في نكبة جديدة على أرض ليبيا، يستدعون الحليف العثمانلي لغزو استعماري، بعد أن لفظهم الشعب وأسقطهم في الانتخابات، فإذا بهم ينقلبون على الشرعية، ويجمعون باقي عصابات الإرهاب ليسيطروا على العاصمة طرابلس، وليمنعوا جيش ليبيا الوطني من استكمال مهمته واستعادة الدولة وتوحيد أرضها وتطهيرها من ميليشيات الإرهاب. يعرف «الإخوان» جيداً أن ما يفعلونه في ليبيا هو الخيانة الوطنية بعينها، ويعرف أردوغان أن ما يقوم به هو غزو أجنبي يرفضه شعب ليبيا وتدينه الشرعية الدولية، لكنه يغامر حتى النهاية متشجعاً بصمت دولي لا يدرك حجم المخاطر من تحويل ليبيا إلى سوريا أخرى، ومن التغاضي عن جيوش المرتزقة! وميليشيات الإرهاب التي يريد أردوغان أن يحول بها ليبيا إلى نقطة ارتكاز لتحالفه الإرهابي، يهدد بها دول المنطقة وفي مقدمتها مصر، ويفتح من خلالها أبواب نهب ثروات ليبيا على مصراعيها.
رد مصر بكل وضوح أن الحل في ليبيا هو لشعبها وحده، وأن توحيد الصف الذي تمثل في تبني رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر، لهذه المبادرة هو الطريق لإنهاء الصراع ولقطع الطريق على أي تدخل أجنبي، ولتقديم الحل السياسي الذي يستعيد الدولة وينهي وجود ميليشيات الإرهاب وجيوش المرتزقة، معتمداً على وحدة الصف والدعم الكامل من مصر والقوى المناصرة لشعب ليبيا.
هذه الرؤية التي أعادت الحياة للحل السياسي أصبحت أساساً للتحرك الدولي لإنقاذ الموقف، لكنها بلا شك تحتاج إلى أكبر قدر من الدعم العربي الذي يضع القوى الكبرى أمام مسؤولياتها، ويقدم الدعم لشعب ليبيا من خلال مؤسساته الشرعية، وفي مقدمتها البرلمان المنتخب والجيش الوطني الذي تدعمه كل القوى الوطنية في وجه عصابات الإرهاب.
لقد حظيت المبادرة بتأييد شعب ليبيا في الداخل وقوى العالم المدركة لحجم الخطر في الخارج، وبقي أردوغان وحده مع حلفائه الإخوان ومع داعميه من الممولين والقوى المتحكمة في حركة هذا التحالف المشبوه، وبعيداً عن العنتريات الأردوغانية، فإن شعب تركيا الصديق يدرك أن أردوغان يقوده في الطريق الخطأ، وأن التورط في غزو دولة أخرى على بعد 2000 كيلومتر لا يمكن أن يجلب الخير لتركيا، وأن اللعب بالنار على حدود مصر والعداء المعلن للأمة العربية كلها هو إعلان مسبق بنهاية العثمانية الجديدة كما سقطت العثمانية البائدة من قبل.
بالنسبة إلى مصر، لا يقتصر اللعب بالنار على حدودها الغربية ولا على تركيا وحدها، فهناك التهديد الأكبر المتمثل في مخططات إثيوبيا بشأن «سد النهضة»، وما يمثله من مساس بحقوق مصر في مياه النيل، وقد سعت السودان لاستئناف التفاوض، ووافقت مصر على المشاركة في مفاوضات اعتبرتها فرصة لإثبات الجدية وحسن النوايا من جانب إثيوبيا.
مصر حددت موقفها بأن مرجعية أي تفاوض هو ما تم التوصل إليه في محادثات واشنطن في 21 فبراير الماضي، وتتعامل مع الأزمة بكل حكمة وبكل حسم، ولا تتمنى أي صدام مع إثيوبيا، بل تمد يد التعاون وتقر بحقها في التنمية مع ضمان حق مصر في الحياة، وسبق أن وضعت مصر والسودان القضية أمام أعضاء مجلس الأمن، وكل الطرق مفتوحة أمام مصر والسودان لتحميل المجتمع الدولي المسؤولية عن تطبيق القانون وضمان الحقوق ومنع تهديد السلم والأمن في المنطقة. مهم جداً ما قالته وزيرة خارجية السودان قبل أيام من أن موقفاً صلباً لمصر والسودان سوف يجعل إثيوبيا تفكر مرتين قبل الإقدام على ملء السدود دون اتفاق.
نرجو مخلصين أن تعود إثيوبيا إلى طريق التفاهم والتعاون المشترك، وأن تدرك أنها باللعبة الخطيرة التي تمارسها سوف تكون أكبر الخاسرين.
* كاتب صحفي