يأتي 30 يونيو هذا العام وسط ظروف تؤكد، مرة أخرى، كم كان هذا اليوم العظيم نقطة فاصلة في تاريخ مصر والوطن العربي كله.
وتأتي ذكرى الثورة التي أسقطت حكم الإخوان في مصر وسط تحديات هائلة، تؤكد- بما لم يعد يحتمل أي شك- أن المهزومين في 30 يونيو العظيم من الإخوان، ومن يدعمونهم من القوى الإقليمية والدولية، لم ينسوا ثأرهم، ولم يتخلوا عن استراتيجيتهم، التي تستهدف الوطن العربي، وتدرك أن قلبه النابض في مصر سيظل هو الهدف الأساسي و«الجائزة الكبرى» التي يسعون إليها، ويفشلون في مسعاهم بعون الله وصمود شعب مصر القادر دوماً على فرض إرادته.
ويأتي 30 يونيو هذا العام ومصر تواجه تحديات مصيرية، إلى جانب المعركة ضد الإرهاب، التي حققت فيها مصر إنجازات كبيرة، وأعادت الأمن والاستقرار، إلى جانب هذه المعركة المحسومة تنفتح الجبهة الغربية بعد الغزو التركي للشقيقة ليبيا، وتصل أزمة السد الإثيوبي إلى نقطة فارقة، ومع الإعلان– من جانب أديس أبابا– عن النية في بدء ملء بحيرة السد في يوليو باتفاق مع مصر والسودان أو من دون اتفاق!
تحديات هائلة، يضاعف من خطورتها أن تركيا ما كان يمكن لها أن تقدم على جريمتها ضد ليبيا، وجرائمها الأخرى في الوطن العربي، دون أن تجد الإشارة خضراء من قوى كبرى(!!)، وأنها ما كان يمكن لها أن تنقل– حتى الآن– ما يقرب من خمسة عشر ألفاً من المرتزقة إلى ليبيا، بالإضافة إلى شحنات السلاح التي لم تتوقف، إلا بصمت متفق عليه، بحسابات المصالح أو الصراعات، بين القوى الكبرى.
ويضاعف أيضاً من خطورة الموقف أن هذه الصراعات أو الصفقات ليست ببعيدة أيضاً عن قضية السد الإثيوبي، وأن هناك من يدفع بالأزمة نحو التصعيد، وهناك من يريد تحويل النيل الخالد من نبع للخير والتعاون المشترك بين دوله إلى نقطة صراع مدمر، لتحقيق مصالحه على حساب شعوب وادي النيل.
ووسط كل هذه التحديات تعاملت مصر بكل الثقة والهدوء، وواصلت محاولات الوصول لحل تفاوضي بشأن السد الإثيوبي حتى النهاية، ثم وضعت الأمر أمام مجلس الأمن ليتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته، وأطلقت «إعلان القاهرة» من أجل دعم الحل السياسي للأزمة في ليبيا، الذي لن يكون إلا بيد أبنائها، وبعد تفكيك الميليشيات ورحيل المرتزقة وراعيهم التركي من أرض ليبيا.
وفي 20 يونيو كان على العالم كله أن يدرك أن صبر مصر قد نفد أمام هذا العبث الذي يهدد أمنها ويضرب استقرار المنطقة والعالم، وبلهجة هادئة وواثقة أطلق الرئيس السيسي ما يمكن أن يعد أخطر تصريحاته منذ سنوات، محدداً موقف مصر من كل التحديات التي تواجهها.
ومؤكداً أن مصر ستواجه أي عدوان على أمنها أو مصالحها الوطنية بكل قوة وحسم، وأنها لن تسمح بأن تتحول ليبيا إلى قاعدة للإرهاب، وأن مصر تملك الشرعية الكاملة للتدخل لدعم الشعب الليبي وجيشه الوطني إذا لم تتوقف محاولات تجاوز الخطوط الحمراء.
وفي الوقت نفسه، كانت الرسالة واضحة فيما يخص قضية السد الإثيوبي، حيث كان التأكيد أن مصر تتمسك بحقوقها كاملة، وتحمّل الجانب الإثيوبي المسؤولية في تصعيد الأزمة.
كان طبيعياً أن يقف العالم العربي- وفي المقدمة الإمارات والسعودية- مع موقف مصر الحاسم، وأن تقدر دول العالم التعامل المسؤول من جانب مصر مع أخطر التحديات، وأن تنتهي حالة الصمت المريب عن جرائم أردوغان وتعنت إثيوبيا، وأن تتواصل الجهود لمنع الموقف من الانفجار.
ويبقى السؤال: هل يدرك تحالف المهزومين في 30 يونيو «الإخوان وتركيا والداعمون لهما» أن ما بدأ في 30 يونيو سوف ينتهي حتماً بالسقوط الكامل لمخطط إغراق العالم العربي في جحيم الفوضى، وإسقاط الدول الوطنية بحكم العصابات الإخوانية واستباحة الأرض العربية من القوى الأجنبية؟
وهل يفهم الجميع أن كل محاولة لحصار مصر محكوم عليها بالفشل؟ ليبيا ستكون لشعبها، والسودان مع مصر قادران على حماية حقوقهما في مياه النيل، وسيناء ستتطهر من آخر بؤر الإرهاب. ويبقى الأهم: أن نبني على موقف مصر رؤية شاملة لأمن قومي عربي نعرف جميعاً أنها أصبحت ضرورة حياة، رغم كل المصاعب والعقبات.
* كاتب صحفي
جلال عارف *