يبدو الرئيس التركي أردوغان كمن يصحو كل صباح ليتلقى تقريراً عن تدهور الليرة التركية، وتراجع الاقتصاد، وانهيار السمعة الدولية لبلاده والنفوذ الداخلي لحزبه، ثم يبدو بعد ذلك كله كأنه في عالم آخر من صنع أوهامه يتحدث منه بعظمة مفتعلة: حسناً.. أين سنمارس البلطجة هذا اليوم؟.
الرجل الذي ورث اقتصاداً واعداً تم بناؤه بدعم أمريكي وأوروبي، كما حدث مع الدول الحليفة الموجودة على خط التماس مع الاتحاد السوفييتي السابق ثم مع روسيا، أصبح يقود بلداً ينهار اقتصاده بصورة غير مسبوقة بسبب المغامرات الخارجية والهوس بمد النفوذ وإدخال البلاد في صراعات لا تنتهي من أجل وهم إحياء «الإرث العثمانلي»، وما أسوأه من إرث لم يعرف إلا الدم والدمار لشعوب المنطقة، وفي مقدمتهم شعوب الوطن العربي.
وهذا أردوغان الذي ورث حكم دولة عملت على مدى ما يقرب من قرن لتلحق بالعصر، والذي جاء مع وعد بتعظيم القوى الاقتصادية والثقافية ودعم الديمقراطية.. انقلب على كل ذلك، ضرب أسس الدولة العلمانية ووضع مصيرها في قبضة ولائه لفكر جماعة الإخوان وتحالفه مع فصائل الإرهاب التي تشاركه التجارة بالدين الحنيف، والعداء للدولة الوطنية، والعداء الذي لا ينتهي للعروبة التي حمت الدين واستعادت الاستقلال وأنهت قبل ذلك أربعة قرون من استعمار عثماني نشر الجهل والتخلف، ولم يترك وراءه إلا ذكريات المجازر التي ارتكبها، والاستبداد الذي مارسه، والاحتلال الذي يريد أردوغان استعادته باعتباره إرثاً لأجداده!
فجأة.. يجد شعب تركيا الصديق أن بلاده غارقة في حروب تمتد من سوريا والعراق إلى ليبيا وقطر واليمن.
ويجد أن بلاده قد تحولت إلى مورد للمرتزقة والإرهابيين، وإلى مصدر لتهديد الدول العربية، وشريك في التآمر عليها، وإلى مبتز لدول أوروبا ومثير للمشاكل في البحر المتوسط.
يصور أردوغان كل ذلك أمام الأتراك على أنه مظهر للقوة واستعادة للحقوق! يعد الأتراك بالخير العميم حين يفرض نفسه بالقوة سلطاناً جديداً يستعيد تراث العثمانيين في النهب والسلب لقرون طويلة. لكن الواقع يكشف زيف كل هذه الادعاءات.
لا يرى شعب تركيا إلا التدهور الاقتصادي الرهيب، وإلا هدم أركان الدولة العصرية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، وإلا أن بلادهم، التي كانت ترفع ذات يوم شعار «صفر مشاكل» مع الجيران قد أصبحت على عداء مع الجميع، وبلا حلفاء إلا جماعات الإرهاب بقيادة «الإخوان»، وبلا دعم إلا ممن يتعاملون مع تركيا بمنطق «الأخ الكبير» في عصابات المافيا الذي يستخدم الصغار فيما يضعه من مهام يحدد فيها الهدف والثمن وتاريخ نهاية الخدمة.
رغم كل بهلوانيات أردوغان وممارساته الاستبدادية في الداخل، فإن آخر الاستطلاعات لا تعطيه أكثر من 37% من تأييد الأتراك.
الواقع الرديء لا يسمح له بتمرير أكاذيبه.. الاقتصاد ينهار، ودعم الحلفاء الصغار لا يكفي، ودعم الرعاة الكبار مرتبط بأداء المهمة، والمهمة تتعثر يوماً بعد آخر!
ومشكلة أردوغان اليوم أنه لا يملك أي رؤية للخروج من المأزق الذي أوقع بلاده فيه.
يعرف أردوغان هذا أن أوروبا لا تقبله شريكاً، وأنه عند أمريكا مجرد أداة لتنفيذ مخططاتها، وعند روسيا مجرد حجر شطرنج في لعبتها مع أمريكا.. أما عن العالم العربي فالقصة أعمق والصراع معه (وليس مع الشعب التركي الصديق) هو صراع لا يقبل التهاون بعد كل الجرائم التي ارتكبها هذا المهووس العثمانلي.
في آخر كشف الجرائم، يحاول أردوغان أن يعوض هزائمه الداخلية والخارجية فلا يجد طريقاً إلا المزيد من البلطجة التي أصبحت سلاحه الأهم لكي يكون متواجداً على الساحة! يبقى تركيزه على ليبيا رغم الضربات التي تلقاها بعد الخطوط الحمراء المصرية، وبعد أن تقدمت أمريكا للعب المباشر على الساحة الليبية بدلاً من اللاعبين الصغار!.. يفتعل مشكلة بالاقتراب من المياه الاقتصادية المصرية في البحر المتوسط لأنه لا يستطيع الاقتراب من «سرت»!.. يتلقى الرد المناسب.
كيف تنجو تركيا من المصير الذي يقودها إليه أردوغان؟!.. سؤال إجابته عند شعب تركيا الصديق وحده. وكيف ينهي العرب هذا العبث الأردوغاني (وكل العبث الأجنبي على أرضهم).. سؤال نرجو أن يجد إجابته سريعاً.