أصبح لأصحاب السعادة - السفراء - دور يجوبون به العالم من زاوية إلى أخرى، وبفكرٍ آخر، حاملين علم بلدهم، ويخدمون سياسته الخارجية، ويشيّدون جسور التعاون مع الدول المضيفة.

والمتابع لحركة الدبلوماسية العالمية، يجد أن هناك تغيرات جذرية طرأت على طبيعة مهنة السفراء - مقارنة بذي قبل - حيث تحولت مهنة السفراء، من الأشخاص ذوي الياقات البيضاء، إلى سفراء أكثر ديناميكية. فهل يمكن أن تستخدم الدول الدبلوماسية الجديدة، كأداة فعالة لضمان النمو الاقتصادي والتعافي من آثار «كوفيد 19»؟

مع بداية انتشار جائحة كورونا، استخدام السفراء حول العالم جهودهم الدبلوماسية لإعادة مئات الآلاف من مواطنيهم إلى بلدانهم، على الرغم من القيود الجوية وإغلاق الحدود بين الدول، وتبع ذلك التدخل لضمان الحفاظ على تدفق سلاسل توريد البضائع، وسبق ذلك ويتبعه، تسهيل التعاون بشأن الحصول على الأدوية بشكل عام، واللقاح المرتقب لفيروس «كوفيد 19» على وجه الخصوص.

أما خلال السنوات القادمة فسيواجه السفراء تحديات أكبر وسط ركود عالمي محتوم. ومن ضمن هذه التحديات، إقناع الدول بتغيير سياساتها الخارجية للتحول من القومية المنغلقة إلى العالمية المترابطة. وهنا نطرح سؤالاً جوهرياً حول دور الدبلوماسيين في المساهمة في التعافي الاقتصادي من خلال إعادة انتهاج مسار جديد للدبلوماسية يركّز على هذا الجانب.

عطفاً على ما سبق، أصدر مركز أبحاث الكونجرس التابع لحكومة الولايات المتحدة دراسة توقعت آثاراً وخيمة نتيجة تداعيات الفيروس، ورأت أن التأثير الكامل ما زال غامضاً إلى أن ينتهي الوباء، كما توقعت أن يتراوح انخفاض النمو الاقتصادي من 3.% إلى %6.0 خلال العام الحالي، مع تزايد خطر حدوث ركود عالمي وارتفاع نسبة البطالة كما لم نشهدها منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، فضلاً عن حدوث انخفاض مقلق بنسبة %13 إلى %32 في التجارة العالمية.

وعند العودة بالتاريخ إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، كان من الواضح أن الدبلوماسية الاقتصادية كانت من العناصر الحاسمة والممكنة في إقامة الجسور بين الدول، والحفاظ على العلاقات السلمية مع ظهور اقتصاد عالمي متشابك، خاصة مع تطور التقنيات وظهور صناعات جديدة، وعلى ضوئه اتخذت التجارة العالمية منعطفاً جديداً وبدأت في الارتفاع مرة أخرى، وتم الربط الاقتصادي الوطيد بين الدول وترجم من خلال السياسة الخارجية لها.

أما اليوم، مع وجود اقتصاد عالمي متكامل متوغل بدرجة كبيرة في نظام العولمة، لا يمكننا إهمال الروابط القوية بين السياسات الاقتصادية والعلاقات الدولية، والتي تُترجم من خلال السياسة الخارجية للدول. الدبلوماسية الاقتصادية هي عنصر متميز ضمن السياسة الخارجية والذي يتفرد في تعامله مع صناع القرار والتفاوض بشأن الموضوعات الملحة.

ويشمل النطاق الواسع للدبلوماسية الاقتصادية جميع الأنشطة الاقتصادية الدولية الرئيسية لبلد ما. على سبيل المثال، السياسات المصممة للتأثير على الصادرات والواردات والاستثمارات والاقتراض والمعونة واتفاقيات التجارة الحرة.

وتلعب الدبلوماسية الاقتصادية دوراً حيوياً في مساعدة البلدان على التعافي من التداعيات المالية، من خلال تعزيز التحالفات الدولية، والدعوة إلى السياسات المصممة لتقوية الاقتصاد من خلال إنشاء أسواق جديدة تولد الأمن الوظيفي وتنوّع الدخل.

قد تواجه الدبلوماسية الاقتصادية تحديات متمثلة في نهج السياسات الداخلية بين الدول، والتي سيكون لها آثار على الاقتصاد العالمي على المدى البعيد، حيث ستؤثر على العلاقات التجارية والاقتصادية، خاصة مع البلدان التي تروج للقومية والانغلاق على وجه الخصوص باعتباره انعكاساً لآثار الوباء.

إن التعافي الاقتصادي على المستوى الوطني يجب أن يكون مدعوماً بمبادرات استباقية على المستوى الدولي. أما التحدي الآخر يكمن في بناء القدرات وتوظيف دبلوماسيين مؤهلين يتمتعون بالمعرفة الاقتصادية. ولذلك يتوجب تزويد الدبلوماسيين الاقتصاديين بتدريب شامل حول القضايا الاقتصادية والتجارية.

لقد وضع هذا الوباء جميع الأنظمة تحت الاختبار، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وسنحتاج إلى وضع سياسات التعافي الاقتصادي في قلب جميع السياسات الداخلية والخارجية لضمان المرونة لتخطي الأزمات في المستقبل ومواجهة فترات ركود اقتصادي أقصر.