شهد النظام العربي الإقليمي عدة تحولات منذ أن تشكل بعد اتفاقيتي سايكس - بيكو في 1916 وسان ريمو في 1920، واللتين أسستا لبروز الدول العربية في المشرق، وولادة النظام العربي الإقليمي كنتيجة لذلك. وكان لتأسيس جامعة الدول العربية في 1945 أثر مهم في مأسسة النظام العربي الإقليمي.
وقد اعترى النظام العربي تغيرات مرات ومرات. ولكن التغيرات البنيوية تعد على الكفّ الواحد. وفي 2 أغسطس 1990، كان النظام العربي الإقليمي مع موعد لتحول بنيوي جديد سيكون أثره بائناً للأعيان إلى يومنا هذا. ففي هذا التاريخ غزا الرئيس صدام حسين الكويت.
ويقول باحثان من جامعة جورجتاون الأمريكية، في مقالة علمية رصينة درسا فيها كثيراً من الوثائق المتعلقة بالاحتلال، إن صدام تعمّد ممارسة أقصى أنواع العنف والاضطهاد على الشعب الكويتي لإرغامه على ترك بلده وإحلال عراقيين محله. وقد مارس النظام العراقي أقسى أنواع العقوبات بما فيها الإعدام الفوري لمن يعترض على الاحتلال أو يؤيد ويساند المقاومة الكويتية ضد الاحتلال.
وقد خرق العراق أهم قواعد النظام العربي الإقليمي، حيث احتل دولة عربية، وألغى كيانها بل وشنع أهلها الآمنين. وقد أدى ذلك العدوان إلى شق الصف العربي بين مؤيد ومتعاطف ورافض لهذا الاحتلال. وبهذا سقط مبدأ آخر من المبادئ التي بني عليها النظام العربي، وهو الأمن القومي العربي. وأصبح علاقات القوة العربية علاقة سلبية بدلاً من أن تكون علاقة إيجابية. بمعنى آخر، فإن زيادة قوة عضو في النظام الإقليمي هو خسارة للآخر بدلاً أن يكون عضيداً لجميع أعضاء النظام.
فبدلاً من أن يكون العراق قوة إقليمية تحتمي به الدول الأصغر، أصبح مصدر تهديد لمجموعة من دول الخليج المجاورة له، وبالتالي أصبح التدخل الدولي ضرورة لتعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي. ولكن هذا التدخل عزز من تأثير النظام الدولي على حساب النظام العربي الإقليمي. وهنا نرى تحولاً بنيوياً في النظام العربي، حيث إن كينونة النظام العربي ترتبط بمدى استقلالها عن النظام الدولي. فإذا زاد وزن النظام الدولي في مقابل النظام الإقليمي، ضعف الأخير لصالح الأول.
وقد أدت حرب تحرير الكويت إلى شل عضو فاعل وواعد من النظام الإقليمي العربي، وهو العراق. وقد دخل العراق في نفق الحصار والمقاطعة الاقتصادية لعقد ونيف. وأدت الحرب إلى تدمير كثير من بنية العراق، ما أضاف أعباءً جديدة على العراق والشعب العراقي، خاصة أن العراق قد خرج من حرب مدمرة مع إيران استمرت ثماني سنوات.
وقد كلف حصار العراق وضعفه، تكالب القوى الإقليمية على النظام العربي بسبب الانقسام الحاد بين أعضاء الإقليم، وغياب كثير من الدول المؤثرة بسبب ردة الفعل لما حصل في الثاني من أغسطس. ولا زال النظام العربي الإقليمي يعاني من كارثة غزو الكويت، والعراق يئن من تداعيات هذه الأزمة التي افتعلها النظام السابق دون مسوغ أو مبرر أخلاقي أو قانوني أو إنساني. وللأسف يدفع الشعب العراقي الكريم ثمن هذه المغامرة. وقد قيل قديماً:
أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخاً لَه ***** كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
وإِن ابن عم المرء فاعلم جناحُه ******* وَهَل ينهضُ البازي بغير جناح
* كاتب وأكاديمي