يمكننا، دون تردّد، أن نعرف العقل بأنه ملكة التساؤل، فالسؤال طريق العقل للمعرفة، وبالتالي فإن عقلاً لا يسأل، عقل لا يفكر.
غير أن هذه الصفة الجوهرية للعقل لا تنفي أن السؤال على نوعين: سؤال زائف، وسؤال أصيل وحقيقي.
ما السؤال الزائف؟ أو قل متى يكون السؤال زائفاً؟ تتطلب الإجابة عن هذا السؤال تحديد السؤال الحقيقي أولاً.
الكائن الإنساني كائن سآل. وكل كائن لا يسأل كائن ينتمي إلى صنف العجماوات. وكل مدخل للمعرفة يبدأ بالسؤال، وما من فرضية إلا وهي ثمرة السؤال، ولأن الفرضية إجابة مؤقتة، فإنها تحتاج إلى اختبار واستدلال منطقي، ولهذا يكون ثمرة الجواب عن سؤال ما، أحياناً، عدة فرضيات.
ولقد أطلقت العرب على أدوات السؤال مصطلح أدوات الاستفهام، وهذا يعني أن السؤال مقصوده الكشف، وليس ينفصل النزوع نحو الكشف عن السؤال.
لكي يحتفظ السؤال بوظيفته الكشفية يجب، بالضرورة، أن ينطوي على إمكانية جواب، ولا يمكن للسؤال أن ينطوي على إمكانية جواب، إلا إذا كان سؤالاً واقعياً وعقلياً، حتى لو تعثرنا في الإجابة. وهذا هو السؤال الصحيح والأصيل.
فالسؤال: كيف يمكن الوقاية من فيروس كورونا؟ سؤال حقيقي، ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا إذا عرفنا طرق العدوى والإصابة به. لكن السؤال الصحيح قد يجاب عنه إجابة زائفة، كأن يقول مشعوذ ما إن الوقاية من الفيروس تتم بحجاب يكتبه.
فيما السؤال الزائف ليس هو الذي لا ينطوي على صيغة السؤال، بل السؤال الخلو من الواقع والعقل الذي يفكر.
فلو سأل أحد ما: ما الطريقة للتخلص من الأشباح التي تسكن البيت؟ فصورة السؤال صحيحة بدأت بأداة الاستفهام «ما»، لكن مضمون السؤال زائف، لأن صاحبه يفترض أن هناك أشباحاً في الواقع.
ولو سأل: كيف يمكن شفاء من يتخيل الأشباح، لكان السؤال صحيحاً، لأن الأشباح أوهام.
إذا انتقلنا من هذا البسيط إلى الأعقد من الأسئلة الزائفة المتعلقة بالسياسة، فإن خطورة الأسئلة الزائفة هنا ستكون مدمرة للحياة. لأن أجوبتها الزائفة ذات ارتباط بحياة الناس وليس بحياة فرد بعينه. فإذا كانت الأسئلة الصحيحة قد تنجب في بعض الأحيان أجوبة زائفة بسبب الغايات الأيديولوجية أو الجهل، فإن الأسئلة الزائفة لا تنتج إلا أجوبة زائفة بالضرورة.
ليتأمل القارئ العزيز أسئلة دولتين أيديولوجيتين ساعيتين لاستعادة تاريخ مضى وانقضى وجعله واقعاً، إيران وتركيا، فلدى هاتين الدولتين سؤال زائف واحد في صورتين مختلفتين. سؤال سلطة إيران هو: كيف نعيد مجد فارس القديم في إهاب دولة ولاية الفقيه؟ وسؤال سلطة تركيا، كيف نعيد مجد الدولة العثمانية في إهاب الخلافة؟
إن هذين السؤالين زائفان بالمرة، لسبب أساسي ألا وهو: كل سؤال حول استعادة مرحلة من التاريخ الماضي هو سؤال زائف؛ لأنه من قبيل المستحيل التاريخي. ما هي إجاباتهم عن هذين السؤالين الزائفين؟ إنفاق مليارات الدولارات على التسليح، اللعب على الوتر الطائفي الديني لدول الجدار، تشكيل ميليشيات قاتلة، تخريب العلاقة مع المحيط العربي.
فيما سؤالهم الحقيقي يجب أن يكون هو: كيف نبني علاقة صداقة ومصالح متبادلة وتعاون سياسي وثقافي مع دول المحيط العربي، ونتعاون في التنمية والبحث العلمي؟ وسيكون الجواب من جنس السؤال: بناء علاقات سلم ومعاهدات تعاون، وتبادل معارف، ومواقف مشتركة بالنسبة للمشكلات التي تهدد السلم في المنطقة والعالم.
تبقى مشكلة، هي أم المشاكل ذات ارتباط بالوعي الذي تكون في حقل الثقافة، التي تحرم كثيراً من البشر من ملكة التمييز بين السؤال الزائف والسؤال الحقيقي، إلى درجة يتمسكون فيها بالأسئلة الزائفة على أنها هي الأسئلة الحقيقية. وإذا ما طرحت بعض النخب الأسئلة الحقيقية اعتقدوا أن هذا من قبيل الاعتداء على ثقافتهم. وهذا أمر يحتاج إلى نظر، فانتشار الأسئلة الزائفة لا يعني سوى موت السؤال.