كعادة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مساندة الأشقاء والأصدقاء، وقفت مصر بقوة مع السودان الشقيق بمحنته في مواجهة آثار الفيضانات والسيول «الكارثية»، التي دمرت الأخضر واليابس، وألحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد السوداني «المرهق».
خسائر «مليارية» يقدرها بعض الخبراء بما يقرب من 3 إلى 4 مليارات دولار، تمثل عبئاً إضافياً على اقتصاد يواجه تدهوراً مستمراً منذ سنوات عدة، وبسببه قامت الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير.
منذ شهر تقريباً، والحياة شبه مشلولة في العديد من المناطق السودانية المتضررة من الفيضانات والسيول، بعد أن أصبحت تلك المناطق شبه معزولة بسبب المياه التي تحاصرها من كل جانب، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من 105، وأكثر من 50 مصاباً، بالإضافة إلى تدمير ما يقرب من 30 ألف منزل بشكل كلي، وأكثر من 40 ألف بشكل جزئي، إلى جانب تدمير آلاف الأفدنة الزراعية، ونفوق الآلاف من رؤوس المواشي والحيوانات، وهو ما أدى إلى تأثر الاقتصاد السوداني بتلك الأحداث الخارجة عن إرادة الحكومة السودانية، وانهيار الجنيه، ليفقد نحو 42% من قيمته خلال الفترة الأخيرة.
اتفق مع ما قاله عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني، في تصريحاته بأن «الإهمال الذي عاشته البلاد سنوات طويلة، فاقم تبعات الكارثة».
من جهتها، لم تقف مصر صامتة أمام الأزمة الكبيرة التي يعيشها السودان، وعلى الفور أصدر الرئيس السيسي تعليماته بإقامة جسر جوي مباشر، لتوفير كل ما يحتاجه الأشقاء في السودان لمواجهة تلك الكارثة، وعلى الفور بدأت القوات المسلحة في تحريك الجسر الجوي من مطار شرق القاهرة، محملاً بالمساعدات الطبية والغذائية والخيام، وكل ما يحتاجه الشعب السوداني الشقيق لمواجهة تلك المحنة.
ترجمة الموقف المصري تجاه الأشقاء في السودان جاءت على لسان وزير الإعلام والثقافة السوداني، الناطق باسم الحكومة، فيصل صالح، الذي أكد «أن كل ما طلبه السودان من أولويات واحتياجات من مصر وصل أضعافه».
الأمر المؤكد أن وحدة مصر السودان في مواجهة الكوارث والأزمات هي أمر طبيعي، حيث يظل الشعبان المصري والسوداني شعباً واحداً. ولم يشعر السودانيون على الإطلاق بالاغتراب في مصر، ولم يتعرضوا لأي مضايقات رسمية أو شعبية.
لكل هذا، من الطبيعي أن يتوحد الموقفان المصري والسوداني في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي جميع المحافل الدولية، خاصة في المرحلة المقبلة، وما تفرضه من تبعات وتحديات بسبب الموقف الإثيوبي المتعنت فيما يتعلق بسد النهضة، وما تحاول أن تفرضه إثيوبيا من إملاءات مرفوضة وغير مقبولة على دولتي المصب (مصر والسودان)، لتقعا أسيرتين للأهواء الإثيوبية مستقبلاً.
ما يحدث في السودان الآن يمكن أن يكون «بروفة» مصغرة لكارثة أضخم فيما لو «انهار» السد الإثيوبي، حيث من المتوقع في هذه الحالة حدوث موجة فيضان تؤدي إلى تدمير السودان كاملاً، وإزالة العاصمة الخرطوم و«أم درمان» من على الوجود.
في تلك الحالة سوف يصل ارتفاع موجات النهر إلى 26 متراً، بعرض 150 كيلومتراً، وهو ما يعني تدمير السودان بشكل كامل.
تدعم هذا التخوف الممارسات الإثيوبية الغامضة حول تصميمات السد وأمانه، وهو ما أكده البنك الدولي، واللجنة الدولية لمعاينة السد، والولايات المتحدة الأمريكية، الذين أجمعوا على أن معامل الأمان لسد النهضة «مرعب ومخيف»، لأنه منخفض للغاية، خاصة أن إثيوبيا عدلت مواصفاته من دون تشاور مع مصر والسودان، ليصبح 7 أضعاف السعة المقررة.
كل هذه المؤشرات دفعت بأحمد المفتي، عضو اللجنة الرسمية السودانية بشأن سد النهضة، إلى الاستقالة، خوفاً على مستقبل السودان، وإمكان تعرضه للهلاك بالكامل «غرقاً» أو «عشطاً».
تأثيرات انهيار السد لم تتوقف عند حدود السودان فقط، لكنها سوف تمتد إلى مصر، وغرق بعض المدن المصرية على الحدود المصرية ـ السودانية، واحتمال تأثر جسم السد العالي بمخاطر شديدة نتيجة الانهيار المتوقع للسد الإثيوبي.
* كاتب ومحلل سياسي