تدور رحى الانتخابات الأمريكية بطريقة غير اعتيادية هذه السنة المثقلة بالهموم وعظائم الأمور. وليس بسبب أن الرئيس الحالي ليس كباقي الرؤساء السابقين.
فالرئيس الحالي، رغم أنه من النخبة الأمريكية، إلا أنه من خارج المؤسسة السياسية. ولعل هذه الحقيقة سر جاذبيته لقاعدته الانتخابية.
وكالعادة تسيطر القضايا الداخلية على الحملة الانتخابية. ولكن هذه المرة فإن جائحة كورونا لها نصيب الأسد من القضايا المهمة التي تمس صميم اهتمام الناخب الأمريكي. ولعل من المهم التذكير بحالة الاستقطاب التي تعتري المجتمع الأمريكي مما يجعل هذه القضايا أكثر حدة من المعتاد.
وليس أبلغ مما يدلل على الانقسام الحاد في الولايات المتحدة من المناظرة الكارثية التي عقدت بين المرشحين دونالد ترامب وجو بايدن في مناظرة يوم 29 سبتمبر المنصرم. وقد تابعنا شراسة الرئيس في النقاش والذي لم يعط فرصة لخصمه للإجابة عن أسئلة مدير الجلسة الصحافي المخضرم كريس والس.
وقانونياً ليس هناك ما يجبر المرشحين على خوض أية مناظرات انتخابية والتي تعقد ليس للمنصب الرئاسي فحسب، بل لنائب الرئيس ومناصب الكونغرس وحكام الولايات والانتخابات المحلية. وتعود المناظرة الرئاسية الأولى إلى منافسة كنيدي ونيكسون في عام 1960.
وأصبحت عادة ترسخت وتمأسست في الممارسة السياسية الأمريكية وانتقلت إلى بلدان عدة. وحتى الأمم المتحدة عقدت مناظرة بين المرشحين لمنصب الأمين العام. وأي شخص يعتذر عن المناظرة يحسب عليه أنه لا يستطيع مواجهة خصمه، ولعله لا يستحق انتخابه.
ولهذه المناظرات تأثير على المرشح وحظوظه. فأداء المرشح يعتبر اختباراً لقدراته على العمل تحت ضغط كبير وبشكل مرتجل. ويبحث كل من المتناظرين في العادة على ضربة قاضية. أي هفوة من خصمه لينقض عليه بعبارة تكون لها وقع الحسام على غريمه السياسي. وعادة ما تكون عبارة لماحة وفطينة تأخذ الخصم على حين غرة.
وحاول ترامب والذي تتدنى حظوظه في إعادة انتخابه بالظهور بمظهر القوي وأن بايدن ضعيف أو كما يحب أن يطلق عليه «جو النعسان». وإن الولايات المتحدة والتي تواجه مخاطر اقتصادية وأمنية وصحية عدة تحتاج إلى شخص قوي مثله يستطيع إخضاع خصومه بحضوره القوي والمتميز.
ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن ترامب. ورغم أن الجميع أعرب ألا أحد كسب معركة المناظرة، إلا أنهم أعلنوا عن إحباطهم من انعدام اللياقة والاحتشام في النقاش، والذي من المفترض أن يتعرض للقضايا الراهنة وبرامج مواجهة التحديات التي تواجه البلاد، لا أن يكون منتدى لتبادل الشتائم الشخصية. وقد شبهه أحد المراقبين بشجار التلاميذ في ساحات اللعب.
وقد تلقى ترامب أكثر اللوم على نتائج المناظرة لأنه تعمد مقاطعة بايدن في 72 حالة. بينما كان الأخير أكثر التزاماً. ورغم أن الظهور بالمظهر العدواني والرجولي هو نقطة قوة لقاعدة ترامب الانتخابية، بيد أن كثيراً من المستقلين والذين سيحسمون الانتخابات لصالح مرشح دون الآخر قد ينظرون إلى هكذا تصرف بازدراء.
لكن ماذا عن مفاجأة أكتوبر في الانتخابات الأمريكية؟ مفاجأة أكتوبر في مصطلح الانتخابات الأمريكية تشير إلى مفاجأة تظهر عادة في شهر أكتوبر قبيل الانتخابات في نوفمبر قد تكون متعمدة أو بالصدفة وتلقي بظلالها على الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن التسمية تعود إلى وليام كيسي مدير حملة الرئيس الراحل رونالد ريغان في 1980، ومن ثم مدير وكالة الاستخبارات المركزية، إلا أن الظاهرة قديمة. وكان من المتوقع أن تظهر مفاجأة أكتوبر لهذه الانتخابات المحتدمة. وظهرت فعلاً في إصابة الرئيس ترامب والسيدة الأولى بمرض كورونا. والسؤال ما هو تأثير هذه المفاجأة على الانتخابات الرئاسية العتيدة، سؤال يستحق التمعن ويصعب الإجابة عنه. فالليالي من الزمان حبالى.... مثقلات يلدن كل عجيبة!
* كاتب وأكاديمي