معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل وإعلان تأييد السلام من مملكة البحرين وإسرائيل شكّلا توجّهاً جديداً في إقليم الشرق الأوسط يختلف عن التوجهات السابقة في القرن الماضي، التي بدأتها مصر وأعقبتها الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية، التي قامت على منع الحرب وتقييد الصراع وبعض من التعاون المحدود والمقيّد.
الموجة الجديدة من معاهدات السلام تركزت على إعادة تشكيل البيئة الإقليمية في اتجاه التعاون والتطبيع وتحقيق المصالح المشتركة في مجالات مختلفة. ولم تكن صدفة أن أول مجالات التعاون بين الإمارات وإسرائيل حتى قبل التوقيع على معاهدة السلام قامت على الجهد العلمي المشترك في مقاومة فيروس «كوفيد 19».
في معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية وإعلان تأييد السلام بين البحرين وإسرائيل جرى الاتفاق على قائمة طويلة للتفاعل الإيجابي في مجالات عديدة من التبادل الدبلوماسي حتى السياحة. فبعد التوقيع في حديقة البيت الأبيض، كان لافتاً للنظر سعي الإمارات وإسرائيل للتعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة.
حينما وقّعت جامعة الشيخ محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مع معهد وايزمان اتفاقية خاصة بالذكاء الاصطناعي، فضلاً عن بدء مباحثات بين الوزراء المختصين بالتكنولوجيا والبحث العلمي والصناعة للتعاون في مجالات تطوير التكنولوجيات المتقدمة في المنطقة.
وفي مطلع شهر أكتوبر الجاري، قامت الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات وإسرائيل بالإعلان عن توجّه واسع النطاق للتعاون في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، وموارد النفط والغاز والتكنولوجيات المكملة لها في تكنولوجيا تحلية المياه المالحة.
كما جرت مباحثات إماراتية إسرائيلية للتعاون في مجالات فرص الاستثمار وتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا. المقترب للقضية الفلسطينية في هذا الإطار كان في اتجاه حل العديد من المعضلات الخاصة بالطاقة بالنسبة للشعب الفلسطيني من خلال تنمية موارد الطاقة وبنيتها الأساسية. ومن المعلوم أنه قد جرى مؤخراً تفاهم بين إسرائيل وقطاع غزة على مدّه بالطاقة الكهربائية، وإتاحة مساحات أكبر للصيد في البحر المتوسط.
إرهاصات هذا التوجّه الجديد بدأت خلال السنوات الأخيرة، عندما لم يقتصر التعاون بين مصر والأردن من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى على مبادرة «المناطق الصناعية المؤهلة» أو Qualified Industrial Zones (QIZ)، وإنما التوجه نحو استخدام الاكتشافات الجديدة في غاز شرق البحر الأبيض المتوسط في تعميق التعاون لإنتاج ونقل وتسييل وتصنيع الغاز الطبيعي من خلال إنشاء منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط في شكل منظمة دولية تضم مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا.
ولعل من أهم آثار هذا التوجّه الجديد أنه دفع إلى السطح مشروع اتفاق بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين. ولوقت طويل كان معلوماً أن مباحثات سرية بين البلدين بوساطة أمريكية قادها السفير دافيد سترفيلد، المسؤول عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، للقيام بهذه المهمة التي حققت الكثير من التقدم، ولكن الظروف الخاصة بلبنان لم تكن تسمح بالقيام بهذه الخطوة نتيجة اعتراض «حزب الله».
ما حدث فعلياً هو أن نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني، ورئيس حركة أمل والقريب من حزب الله، قام بهذه المهمة. المؤكد أن لبنان في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة يريد الانتهاء من الاتفاقية حتى يتسنى له المضي في إنتاج الغاز من المناطق الاقتصادية التي تخصه؛ والمؤكد أيضاً أنه لا «حزب الله» ولا إيران باتا على استعداد لتحمّل الواقع اللبناني الصعب.
هل يكون ذلك مقدمة ليس فقط لتحديد الحدود البحرية وإنما البرية أيضاً كما هو شائع لدى الكثير من المصادر اللبنانية، وإذا كان ذلك كذلك، فهل يفتح ذلك الباب لعملية سلام سورية إسرائيلية أيضاً؟
الموجة الجديدة للسلام التي أشهرتها معاهدة السلام الإماراتية تضع منطقة الشرق الأوسط على مسار جديد ليس فقط لتجنّب الحرب والصراع، وإنما السعي قدماً نحو شرق أوسط جديد يقوم على الأمن والتعاون الإقليمي. المعنى هو تغيير البيئة السياسية للمنطقة كلها بحيث تخرج من أسرها التاريخي القائم على ديمومة صراعات دون حل، وخلق بديل للتنمية المستدامة وضمان الأمن والاستقلال لكل شعوب المنطقة.
مدخل ذلك إلى حل القضية الفلسطينية، من الممكن أن يكون أكثر فاعلية، كما رأينا في رسم حدود بحرية للدولة الفلسطينية، وتنمية قطاع الطاقة بها وقبلها وقف ضم أرض فلسطينية جديدة لإسرائيل.
* كاتب صحفي مصري