«قصدني أحد ضباط المخابرات طالباً مني التعاون لشق صف جبهة إعادة توغولاند الغربية، وتظاهرت حينها بالموافقة في مقابل مادي ضخم أعلم يقيناً بأنه لن يُقدمه.
وبالتالي سيتركني للبحث عن فريسة أخرى، فقال لي حينها ألا تخشى على صورتك أمامي وأنت تطلب هذا المقابل المادي؟ فقلت له لا تبدو لي يا سيدي أنك من الأشخاص الذين يؤمنون بقيمة الأوطان، وبالتالي لست أنت الذي أخشى على صورتي في مخيلته»، هذا ما نقله تشارلز كورمي مؤسس منصة «مجموعة دراسة أرض الوطن» عن أهم الكوادر الفاعلة في توغولاند بعد مقتله.
ساد الاحتقان شوارع العاصمة الغانية أكرا وضواحيها في أواخر سبتمبر الماضي بعد تسرب صور قامت بنشرها جبهة إعادة توغولاند الغربية، التي تطمح للانفصال عن غانا، وتبين من الصور أنها حفلة تخرج لخمسمئة عنصر خضعوا للتدريب العسكري في مواقع سرية، ما وضع السلطات الغانية وأمن البلاد القومي برمته على المحك، في الوقت الذي يستعد فيه ساحل الذهب الأفريقي للانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل.
يرتبط تأسيس توغولاند بأبرز الشخصيات التي عرفها التاريخ القديم، ألا وهو غوستاف ناشتيغال الذي بدأ طبيباً وانتهى مفوضاً للإمبراطورية الألمانية في غرب أفريقيا. فبعد انعقاد مؤتمر برلين 1884 - 1885 هيمنت ألمانيا على أراضي توغولاند، وأطلق عليها في ذلك الوقت «المستعمرة النموذجية».
ولكن بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتوقيع «معاهدة فرساي»، تقاسمت بريطانيا وفرنسا أراضي توغولاند، فأصبح الجزء الغربي لبريطانيا والجزء الشرقي لفرنسا، وظلت أراضي توغولاند مُقسمة بين هاتين القوتين حتى نالت الدول الأفريقية استقلالها، وحينها تم إجراء استفتاء في خمسينيات القرن الماضي.
فاختار الجزء الغربي أن ينضم لغانا، أما الجزء الشرقي فأعلن استقلاله عن فرنسا عام 1960 باسم جمهورية توغو، إلا أن الأمور ساءت في توغولاند منذ انضمامه إلى غانا، وخرج سكان الإقليم في تظاهرات احتجاجاً على ما وصفوه بالمعاملة غير العادلة، إلا أن تلك التظاهرات ما برحت أن تهدأ حتى تعود موجتها للارتفاع مرة أخرى.
وفي تسعينيات القرن الماضي، أعلن تشارلز كورمي عن تأسيس منصة «مجموعة دراسة أرض الوطن» لمناقشة الحقوق السياسية والمدنية لشعب توغولاند الغربية، والتي سرعان ما تحولت لحركة سياسية تنادي بحق تقرير المصير، ونجحت في عام 2017 بالحصول على عضوية في منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة، إحدى أبرز المنظمات الدولية الداعمة لقضايا حق تقرير المصير.
يرى سكان توغولاند الغربية أن النظام السياسي في أكرا لا يمثلهم ولا يراهم مواطنين، بل أشبه بالأجانب، كما أن إقليمهم لا يحظى باهتمام حكومي ويفتقد للتنمية والتطوير، وهذا ما ضاعف مطالبات «مجموعة دراسة أرض الوطن» التي لم تتوقف عند إعلان استقلال توغولاند، بل باتت تطالب بإعادة النظر في وثيقة الاستفتاء التي على إثرها تم ضم توغولاند الغربية إلى غانا، وتزعم أن وثيقة الأمم المتحدة نصت على حرية انفصال توغولاند الغربية بعد 50 عاماً من الاتحاد مع غانا، وتطالب أكرا بالجلوس معها على طاولة المفاوضات، وهذا ما ترفضه غانا.
ومثلما تُدرك القيادة السياسية في غانا أن ما يحدث في توغولاند الغربية شبيه لما يحدث في إقليم أمبازونيا الذي يطمح للاستقلال عن الكاميرون، والذي يُشاطر توغولاند النشأة والظروف السياسية والعضوية في منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة، وإن كان إقليم أمبازونيا أكثر تنظيماً من الناحية العسكرية والأمنية، فهي تدرك قطعاً أن ولادة دول على المدى القريب وعلى ضفاف خليج غينيا، سيشكل عبئاً دولياً تبدو القوى الدولية غير مستعدة لدفع تكلفته، ولكن في حال استقلال توغولاند فهناك خياران.
فإما أن تكون دولة مستقلة، وفي هذه الحالة ستحتاج لجهود تفوق ما تحتاجه جنوب السودان عند انفصالها عن السودان، بغض النظر عن فارق مساحة الإقليمين، وإما أن تنضم لجمهورية توغو، وهذا ما سيُضاعف المصالح الفرنسية في خليج غينيا.
تصاعد الموجات الانفصالية اليوم في إفريقيا يدعم ما ذهبنا إليه في المقال السابق الذي حمل عنوان «سيناريوهات المواجهة»، وبالتالي فإن انفصال توغولاند الغربية غير وارد على المدى القريب إلا إذا اقتضت المصلحة الدولية ذلك، وذلك ينطبق على سائر الحركات الانفصالية في أفريقيا.
خليجياً، ما أثر استقلال توغولاند الغربية على المصالح الخليجية؟ وهل الرؤية الخليجية لتوغولاند موحدة؟ وكيف يرى قادة توغولاند تلك الرؤية الخليجية؟ هذا ما سنُجيب عليه في المقال المقبل.
* باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي