بصرف النظر عن التوقيت الذي تم فيه الكشف رسمياً عن الرسائل البريدية الإلكترونية، لهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة أوباما، والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية في مواجهة «دونالد ترامب» عام 2016، وهو التوقيت الذي ينخرط ويرتبط بموعد جولة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في الثالث من نوفمبر المقبل، والذي يستهدف، كما لاحظ العديد من المراقبين، زعزعة وإضعاف مركز المرشح الديمقراطي «جو بايدن» في مواجهة ترامب، باعتبار أنه كان شريكاً في إدارة أوباما كنائب للرئيس، ويفترض موافقته على توجهات الإدارة السياسية، فإن ما يهمنا في المقام الأول، أن هذه الرسائل الإلكترونية تعد وصمة سياسية لجماعات الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان على رأسهم؛ على اعتبار أنهم تواطأوا سراً وعلانية مع الإدارة الأمريكية لنشر العنف والفوضى، وتخريب الدول الوطنية والمجتمعات في سبيل اعتلائهم لسدة الحكم، ومن أجل هذا الهدف، يبدون استعدادهم للتحالف مع من يساعدهم، أياً كان موقعه، ومن ناحية أخرى، فإن الرسائل تكشف عن مدى انشغال «الإخوان» بمصالحهم دون مصالح الوطن والدولة والشعب، وطبيعة الأولويات في جدول أعمالهم.
ورغم أن بعض هذه الرسائل كان مضمونها معروفاً منذ فترة لأجهزة الدولة المختلفة، وتسرب مضمونها إلى وسائل الإعلام على نطاق كبير، فإن الكشف الرسمي عن هذه الرسائل، يمنح الخطاب الرسمي مصداقية أكبر، مدعومة بوثائق محفوظة ورسمية من الدوائر الأمريكية المعنية.
ورغم أهمية هذه الرسائل في كشف طبيعة العلاقة بين إدارة أوباما و«الإخوان» وقطر، والدعم السياسي والمالي لصعود تيار الإسلام السياسي، فإنها لا تعدو أن تكون مجرد خطوة أو مرحلة في نهاية هذا التيار، سبقتها خطوات وقد تتلوها أخرى، تتمثل الحلقة الأولى في نهاية الإسلام السياسي منذ نشأته في عجز وقصور هيكلي في بنية الأفكار والمقترحات التي قدمها لمعالجة قضايا الشعوب العربية والإسلامية، وانخراط مجمل الأفكار التي قدمها في تفسير محافظ ومغلوط للدين الحنيف ونصوصه، والاستشهاد بوقائع واقتباس أفكار ارتبطت بزمانها، بل حتى في زمانها لم تلقَ القبول الواسع، مثل فكرة «المجتمع الجاهلي»، واعتبار أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية جاهلية في ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، وأنها لا بد وأن تحكم بالإسلام وتعود إليه.
مثل هذه الأفكار المتطرفة تستهدف عزل المجتمعات الإسلامية عن الحضارة الحديثة والمعاصرة، وتجريم التحديث والاقتباس والتفاعل، ومصادرة المبادرات الفردية والجماعية لتجاوز عثرة التخلف والابتكار والتجديد.
أما الحلقة الثانية، فتتمثل وفي مجرى الحياة السياسية والوطنية المصرية العامة، في أن الانتقال بهذه الأفكار من النظر إلى الواقع كشف أن تيار الإسلام السياسي، ممثلاً بصفة أساسية في جماعة الإخوان، ظلت بعيدة عن إطار الحالة الوطنية العامة ضد الاستعمار الإنجليزي والقصر، بل وتتموضع في الجبهة المناوئة للحركة الوطنية، لأن أسلوب التربية العقائدية والتنظيمية لأعضائها كان يمنح الأولوية لفهمهم المغلوط للإسلام والدولة الإسلامية، ولا يعبأ بالدولة الوطنية وقيم الحركة الوطنية وأهدافها في الجلاء والدستور، ولم تر الإسلام جامعاً وحاضنة للحركة الوطنية والدولة، بل نقيض هذه وتلك.
يضاف إلى ذلك، أن فكر الإسلام السياسي يعتمد إصدار أحكام الكفر واستباحة دماء من يعتبرونهم «كفاراً»، واعتبار مرتكب المعصية كافراً على خلاف ما ذهب إليه فقهاء المسلمين. ورفض تأسيس السلطة والدولة على أساس قومى أو طبقي.
أما الحلقة الثالثة والأهم في نهاية الإسلام السياسي، فتتمثل فيما بعد الربيع العربي أو ما يسمى كذلك؛ حيث كشف صعود «الإخوان» عن خواء الخطاب الهيكلي وعجزه عن إدارة الدولة، ومعالجة مشكلات الشعب وقصوره عن وضع برامج عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية، كقبلة يحل هذه المشكلات، بل وضع خليطاً من مختلف الإيديولوجيات والسياسات وذيلها أو صدّرها بجمل إسلامية؛ مجرد توليفة من الليبرالية والقومية والناصرية، لا تعكس على الإطلاق ما وعدوا به من برامج إسلامية لمعالجة هذه المشكلات، وكان الافتقار والعجز عن صياغة هذه البرامج الواقعية دافعاً لمزيد من التشدد اللفظي الديني والهوياتي وتصعيد وتيرة التطرف في المجال الطقوسي والشعائري، وغير ذلك من المجالات التي لا يكلف الحديث فيها أو التطرف فيها مجهوداً فكرياً يذكر.