يشهد العالم، اليوم، انتشاراً غير مسبوق لمبادرات جديدة للحوار والتعاون في مواجهة الدعوات للحروب والصراعات، حيث بدأت آليات لتحقيق المصالحة في ليبيا واليمن والسودان، بما يسهم بكل جرأة في تذليل الصعاب وحل المشاكل المطروحة، وتوحيد الفرقاء في أي أزمة، مهما كانت، لكن نجاح هذه المبادرات يبقى رهين التزام مختلف الأطراف باحترام قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر تدفق الأسلحة، ووقف تدفق المقاتلين.

التجارب السابقة أثبتت أن الاحتكام للقوة ولغة السلاح لا يجدي نفعاً، بل على عكس ذلك يزيد في تأزّم الأوضاع، وعليه يبقى الحوار الملاذ الوحيد والأوحد لحل الأزمات، لتفادي الوقوع في كوارث إنسانية، فمقدرات المنطقة العربية تستنزف في صراعات لا جدوى منها، فالحروب الداخلية أدت إلى إهدار للطاقات والثروات، فيما شكلت المصالحات الوطنية في العالم دوماً منعطفاً يُهتدى به، وكسبت تقدير واحترام الأمم والشعوب على السواء، على غرار ما حدث في الجزائر، التي استطاعت من خلال المصالحة الوطنية أن تنتصر على محنة الإرهاب.

الحوار يعد بمثابة الأضواء الكاشفة، التي تضيء الدروب الوعرة، ويهدي إلى طريق الخروج لبر الأمان، بردم الفجوات بين الأطراف المتخاصمة بغية التوصل إلى مبادئ وقواعد عامة، تمنح للجميع حرية العيش في الوطن الواحد، فالسودان نجح مبدئياً في تفعيل المصالحة، من خلال اتفاق جوبا الأخير، الذي أنهى مسار الحرب الأهلية الطويلة، التي انفجرت منذ عقود في المناطق الجنوبية والغربية السودانية. كما ينهي التوقيع القتال إلى الأبد، ويمهد الطريق للتنمية، أما في ليبيا فقد اقتنعت جميع الاطراف

بأن حجم التدخل الخارجي الفج في البلاد زاد في تعميق الأزمة، لذلك هناك إرادة قوية لتكريس حوار شفاف، من أجل تحقيق المصالحة والتكريس للوحدة الوطنية، أما في اليمن فقد حدث أول اختراق للأزمة المستعصية بالإفراج عن أكثر من ألف أسير ومعتقل، في انتظار تطبيق فعلي لاتفاق استوكهولم، والوصول إلى اتفاق دائم للسلام .