الرئيس دونالد ترامب سوف يظل دائماً حالة خاصة بين الرؤساء الأمريكيين، ومهما بدا أنه في طريقه إلى الخروج من البيت الأبيض إن عاجلاً أو آجلاً، فإنه سوف يظل ماثلاً في الساحة السياسية الأمريكية.
الرجل نجح في الوصول إلى سدة الرئاسة والبقاء فيها لأربع سنوات رغم كل المواجهات مع «المؤسسة الأمريكية» المركبة من العديد من المؤسسات التاريخية، بعضها في الدولة العميقة، وبعضها الآخر في الدولة الصريحة، وأكثر من ذلك في الإعلام الجاد، وحتى إعلام ما بعد منتصف الليل، حيث تتراكم البرامج الكوميدية في محاولتها للسخرية من الرئيس الأمريكي حتى من قبل أن يصل إلى البيت الأبيض.
في كل الأحوال نجح في البقاء داخل نقطة المركز والاهتمام العام بتغريدات تبدأ قبل طلوع الفجر ولا تنتهي عند قدوم الليل، وفيما بينهما سياسات مدهشة للرأي العام الأمريكي والعالم أيضاً. ورغم ما يبدو من هزيمة في الانتخابات الأمريكية التي جاءت بجو بايدن، فإنه حصل على أكثر من 72 مليون صوت، بزيادة قدرها ثمانية ملايين صوت عما كان عليه الحال في الانتخابات السابقة.
كان لدى دونالد ترامب سبب للاعتماد على ولاء شريحة كبيرة من الأمريكيين الذين حققوا فوزه غير المحتمل في الانتخابات عام 2016. ولكن في عام 2020، احتاج إلى شريحة أوسع من الناخبين للإيمان بوعده بـ«جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
في مواجهة ثلاث أزمات، تزايد عدد الإصابات والوفيات بفيروس «كورونا»، والانهيار الاقتصادي الذي أعقب ذلك، والاحتجاجات ضد قتل الشرطة للأمريكيين السود. أتيحت الفرصة لترامب كرئيس للولايات المتحدة لتوحيد الناس من مختلف الاتجاهات السياسية في العام الأخير من ولايته الأولى المضطربة.
وبدلاً من ذلك، في كل لحظة محورية تقريباً، ظل رجل الأعمال ونجم تلفزيون الواقع السابق وفياً لعلامته التجارية المثيرة للانقسام، رافضاً نصيحة العلماء والمستشارين، متمسكاً بنص احتضنه أنصاره المتشددون وسخر من أولئك الذين تجرأوا على الاختلاف. ترك نهجه في النهاية غالبية الناخبين الأمريكيين مقتنعين بأنه ليس الرجل المناسب لقيادة البلاد إلى الأمام.
ربما كان ذلك هو الحال الذي وصل بالأمريكيين إلى النقطة التي يوجدون فيها الآن، حيث يوجد رئيس منتخب يحاول أن يقنع نفسه والآخرين أنه بالفعل بات رئيساً شرعياً، وهناك رئيس آخر في المقر الرئاسي لا يريد إسباغ الشرعية على الرئيس ولكنه يعلم تماماً أنه في 14 ديسمبر المقبل حينما ينعقد المجمع الانتخابي للإشهار الرسمي لنتيجة الانتخابات، سوف تنتهي كل الدعاوى القانونية المشككة في شرعيتها.
ولكن الرجل، كما هو عليه الحال الآن، لن يترك الساحة لمنافسه حتى ولو قبل ببدء المرحلة الانتقالية لنقل السلطة. ترامب سيكون مصمماً على حرب ليس بالضرورة عنيفة، وإن كان بعض من الحشد الجماهيري المتحمس لن يكون مستبعداً، ولكنها سوف تكون سياسية في الأساس ربما لإعداد الجماهير للجولة القادمة.
سوف يشعر الرجل بكثير من اللذة الغامرة في كبح الشرعية، أو بعضاً منها بعيداً عن الرئيس الجديد، وفوق ذلك، ومن موقع المعارضة، سوف يكون الهجوم الكاسح على السياسات التي يقوم بها بايدن، والهجوم أكثر على السياسات التي لم يقم بها.
ترامب لم يكن ولن يكون ظاهرة عارضة على الرئاسة الأمريكية، وفي غيبة صفقة شاملة تعطيه عفواً عاماً عن كل ما قد يتعرض له من اتهامات قضائية، فإن تفضيله سوف يكون دائماً البقاء في الساحة السياسية مستنداً إلى قاعدة جماهيرية واسعة كانت على استعداد لغفران ذنوبه من ناحية، ومساندته من ناحية أخرى، وكراهية خصومه من ناحية ثالثة.
القاعدة ذات المزيج من البيض القوميين، والإنجيليين الذين ينتظرون عودة المسيح، والفاقدين للإيمان بقدرة الليبرالية على تحقيق الخلاص الكوني الذي تدعيه، والذين يعيشون في ولايات انهارت صناعتها أو سرقت أو انتقلت إلى دول أخرى وتخشي ليل نهار يوماً يجعل منها فيض المهاجرين الملونين أقلية في بلدها، سوف تظل دائماً مخلصة للمخلص ترامب أو حتى يظهر مخلص آخر.
وبالتأكيد فإن بايدن سوف يحاول خط طريق منجز بالانتصار على «كورونا»، وتوحيد الجمهوريين والديمقراطيين على برنامج لبناء البنية الأساسية، مع سياسة خارجية هادئة، ولكن ذلك لن يجعله يستطيع تجاهل دونالد ترامب الذي سوف يصير هماً في النهار وكابوساً في الليل.
* كاتب صحفي مصري