أظهرت جائحة «كوفيد 19» مدى هشاشة العالم الذي نعيش فيه، حيث قام الفيروس المجهري الصغير بهدم جدران الأنظمة الاجتماعية والصحية والأكاديمية السابقة، التي تم بناؤها على مدى المئة عام الماضية، كما أظهر الوباء ضعفاً عالمياً بين الأنظمة الدولية، سواء كانت تربط بين الدول أو اقتصاداتها العالمية.

أدت تداعيات جائحة «كوفيد 19» إلى عالم أكثر انقساماً وغير متساوٍ، حيث إنه على الصعيد العالمي تم ظهور المزيد من الفوارق بين الشعوب، نظراً للأسباب التالية: أولاً، التفاوتات الصحية الموجودة مسبقاً، والتي زادت نتيجة للوباء. ثانياً، مدى استعداد الدول ومرونتها الاقتصادية. ثالثاً، جودة الاستجابة العامة للوباء، واتباع الحقائق العلمية.

وأخيراً، مدى ثقة المجتمعات بإجراءات وبروتوكولات حكوماتهم في التصدي للفيروس. لقد شهدنا أيضاً كيف تم تقييم البلدان بناءً على نجاحها في الاستجابة لأزمة «كوفيد 19»، وخلق معايير جديدة لتقييم البلدان في المستقبل.

نظراً لأن تداعيات أزمة «كورونا»، كانت ذات أبعاد متعددة، فقد أدت إلى زيادة الفجوة بين الدول المتطورة والنامية، على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، ما أثّر في جودة الصحة والتعليم والاقتصاد وفرص العمل.

أما أكثر حالات عدم المساواة إلحاحاً في العالم، والتي نشهدها اليوم بسبب جائحة «كورونا»، فهي: أولاً: النظام الصحي العالمي لم يكن جاهزاً للاستجابة لإصابة جميع السكان بالفيروس في الوقت ذاته، حيث كافحت الدول المتقدمة لتوفير الرعاية الصحية لمواطنيها منذ بداية الجائحة، ما يثير القلق بشأن مدى جاهزية أنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية الحالية، لاستيعاب والاستعداد لمواجهة المزيد من الأوبئة في المستقبل.

ثانياً: المجال الرقمي، حيث أثّر ذلك في الفئات الأكثر ضعفاً، وهو عدم المساواة، يتعلق بالدخول إلى شبكة الإنترنت والتطبيقات الرقمية، إذ إنه وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2019، استخدم 87 % من الأشخاص في البلدان المتقدمة الإنترنت، مقارنة بـ19 % فقط في البلدان الأقل نمواً، حيث وجّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، خطاباً خلال اجتماع افتراضي رفيع المستوى، حول «تأثير التغيير التكنولوجي السريع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، وقال إن «التكنولوجيا الرقمية أساسية لكل جانب من جوانب الاستجابة للوباء، من أبحاث اللقاحات إلى نماذج التعلم عبر الإنترنت، والتجارة الإلكترونية والأدوات التي تمكن مئات الملايين من الأشخاص من العمل والدراسة من المنزل».

أخيراً، فإن عدم المساواة، ستظهر مع اللقاح الذي ينتظره العالم بفارغ الصبر، حيث سنرى قريباً عقبات وتحديات لوجستية في وصول اللقاح إلى السكان في البلدان النامية والمناطق النائية.

وعلى الصعيد المحلي، فإن دولة الإمارات كان لها دور بارز في التصدي للجائحة، والاستجابة للتحديات التي يواجهها العالم بسبب الوباء، حيث تحملت مسؤولية كبيرة، وأخذت على عاتقها مد يد العون إلى عدد كبير من شعوب ودول العالم، وقامت بإرسال نحو 1613 طناً من المساعدات الطبية إلى 120 دولة، استفاد منها 1.54 مليون من الكوادر الطبية والعاملين في المجال الصحّي.

أما في المجال الرقمي فقد أطلقت مبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم العالمية المدرسة الرقمية، وهي مبادرة تهدف إلى توفير تعليم عن بُعد للطلاب في جميع أنحاء العالم. وتعتبر أول مدرسة رقمية في الوطن العربي، وتهدف إلى الوصول إلى مليون طالب في السنوات الخمس الأولى. وفي ما يتعلق بتوزيع اللقاح، فقد قامت مجموعة «طيران الإمارات»، بالتعاون مع شركات الأدوية الكبرى في العالم، بوضع خطة للتغلب على العقبات والتحديات اللوجستية، لتسريع توزيع لقاح «كوفيد 19».

يحتاج العالم إلى استجابة موحدة، للتغلب على الانقسام الناتج عن الجائحة، وباتت هذه الجهود المشتركة بين الدول والمنظمات الإنسانية والقطاع الخاص، غاية في الضرورة، للحد من اتساع فجوة عدم المساواة الحالية، وفي المستقبل.