أصبح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قاب قوسين أو أدنى من تولّي الإدارة الأمريكية لكي يحقق حلماً شخصياً حاول الوصول إليه من قبل؛ وكما هي العادة فإن تحقيق الأحلام يعادله دائماً جمع من التحديات التي لابد من مواجهتها.
الأول أن التنافس الانتخابي مع دونالد ترامب لن ينتهي، فما حصل عليه الرئيس المنتهية ولايته من عشرات الملايين من الأصوات تعدت 75 مليون صوت مثل قاعدة كبيرة الولاء والتعصّب، والاعتقاد أن الانتخابات الرئاسية جرى تزويرها لصالح رئيس لا يستحقها، ومعها تمثيل للحزب الجمهوري أفضل كثيراً، عما سبق في مجلس النواب، مع احتمالات كبيرة للفوز بمجلس الشيوخ. بشكل ما، فإن المعركة الانتخابية التي بدأت ربما في انتخابات 2016، واستمرت حتى انتخابات 2020 سوف تتواصل حتى تصل إلى انتخابات 2024.
وهذا فوراً يقودنا إلى التحدي الثاني وهو أن ما يجري في الانتخابات لا يعكس فقط تنافساً ما بين أشخاص أو أحزاب وإنما يعكس انقساماً عميقاً في الأمة الأمريكية، يعود بها كثيراً إلى الماضي البعيد عند ميلاد الجمهورية بالقبول بوجود العبودية، عبر الحرب الأهلية التي قامت بعتق العبيد، وحتى تصفية حسابات الستينيات من القرن الماضي مع إصدار قانون الحقوق المدنية؛ ثم بعد ذلك كله مد الزمن كله إلى المستقبل.
فالانقسام الأمريكي يدور حول الصورة التي يريدها الأمريكيون لأنفسهم في عالم اليوم، وهل هو في إطار «العولمة» أم «الدولة القومية»، وكلاهما في حالة تصادم يمثل تحدياً هائلاً لكل من يجلس في البيت الأبيض.
هذا الانقسام يفرض تحدياً ثالثاً له طبيعة عملية، فقد وضع بايدن «توحيد» الأمة الأمريكية مرة أخرى بعد سنوات من الشقاق كواحد من أهم أهدافه؛ ولكن كما هي العادة، فإن تحقيق الأهداف تتم عن طريق الكونغرس، حيث يكون السعي نحو التوافق ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو على ضوء الوضع الحالي ربما يكون من المستحيلات مثل طائر العنقاء والخلّ الوفي.
مثل هذه التحديات ذات الطبيعة الوجودية العامة، تحيط بتحديات عملية يقع في مقدمتها تحدٍ رابع يقوم على مواجهة جائحة «كوفيد 19» الذي في خلال الأسابيع القليلة الباقية بولاية ترامب، تحمل من ناحية أخباراً جيدة حول توالي إنتاج اللقاحات وبدء توزيعها ما يعطي الكثير من التفاؤل حول المستقبل؛ ولكنها من ناحية أخرى، تضم أخباراً بالغة السوء تدور حول تفشي الفيروس وبحدة أكثر من أي وقت مضى. تصاعد عدد الإصابات في الولايات الأمريكية يوماً بعد يوم، وكذلك أعداد الوفيات بطريقة غير مسبوقة.
بات على بايدن أن يكون عاملاً مرجّحاً للأخبار الطيبة على تلك السيئة. التحدي الخامس يلتصق بسابقه، فالبلاء لم يسبّب فقط آلاماً ومرضاً، وإنما نكسة اقتصادية واسعة النطاق، وفي شهر أكتوبر بلغت البطالة 6.9% وهو أقل بكثير من المدى الذي وصلت إليه في شهر أبريل الماضي وكانت14.7%؛ إلا أنها من ناحية أخرى تمثل ضعف ما كانت عليه في فبراير الماضي وكانت 3.5%. والطريق لا يزال طويلاً مع التعقيدات الجديدة في المرض وانتشاره، وما يفرض على الولايات المختلفة من إجراءات حظر وإغلاق.
التحدي السادس له طبيعة عملية أيضاً، وهو تحدٍّ يواجه معظم الرؤساء الأمريكيين، حيث يكون عليهم تعيين الآلاف من الموظفين الفيدراليين، وهو ما يخلق سباقاً مع الزمن يستوجب ملء وظائف شاغرة يشغلها حالياً جمهوريون، ولاؤهم ربما يكون للمنصب والوظيفة، ولكنهم أيضاً سوف يكونون بمشاعرهم، وربما أيضاً بعملهم، موالين للمعارضة.
هنا يأتي التحدي السابع الذي سوف يكون فيه على بايدن أن يعيد تعريف مؤسسة الرئاسة من جديد بعد أربع سنوات من قلبها رأساً على عقب خلال فترة ترامب الذي جعلها في حالة تحدٍّ دائم مع المؤسسات الأخرى، ليس فقط تلك الدستورية التشريعية والقضائية، وإنما معها المؤسسات الانتخابية، والدفاعية، والأمنية، وفوق ذلك كله المواجهة المستمرة مع الإعلام الأمريكي.
ترامب غيّر بشكل جوهري من السياسة الأمريكية الداخلية (والخارجية أيضاً)، وبات على الرئيس المنتخب أن يعيد تعريف البيت الأبيض ومكانته، ومركز الرئيس وسلطاته، ودور المؤسسات التابعة له مباشرة مثل مجلس الأمن القومي والمجالس الخاصة بالسياسة الداخلية والخزانة والموازنة. هذا التحدّي ربما يكون أصعب التحديات وأكثرها تعقيداً، ولكن كل كذلك تحديات الداخل، فماذا عن الخارج؟