إذا تصاعد الحديث عن الحرب فذلك يعني، حسب دروس التاريخ الحديث، أنه ليس هناك حرب، إنما هي حالة من التنفيس واستعراض العضلات المتبادل، بين أمريكا وإيران، هدفها الإيحاء بأن كل طرف، ما زال يتمتع بالقدرة الدفاعية اللازمة، في حال تطورت أية أعمال انتقامية، كانتقام إيراني من مقتل قاسم سليماني، أو انتقام أمريكي لمهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد، وغيرها..

الأفق، من المكان الذي أجلس فيه، يشي بتغييرات إيجابية تعقب حالة التصعيد المتبادل، الذي ينفخ الإعلام النار تحتها في محاولة لإيقاظها، ليس الإعلام الغربي فقط.

كذلك وسائل إعلام عربية، تعبث من دون مهنية، بالجمهور العربي القريب من ساحة المعارك، تجعله دائماً في حالة ترقّب قصوى، لكن الحقيقة، أن هذه الساحة، قد شهدت عشرات من مسرحيات التصعيد، منذ ثورة الملالي في العام 1979، بين أمريكا وإيران، ولم يؤدِ أي منها، لأي شيء، سوى التفكير في إنتاج مسرحيات جديدة..!

اهتمام العالم أجمع، خلال العام 2021، الذي ينصبّ على إنهاء وباء «كوفيد19»، وكذلك التأملات الكثيرة للمرحلة الجديدة من الإدارة الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

واتفاقيات السلام بين الدول العربية وإسرائيل، والدفع لمصالحة شاملة في ليبيا واليمن والخليج العربي، كل ذلك، وغيره الكثير، يجعل الصورة الواضحة للمستقبل القريب، أكثر هدوءاً واستقراراً، بل وتبدو أكثر إشراقاً وتفاؤلاً، من الصورة التي يحاول البعض رسمها، بأنها قاتمة، يخيّم عليها صوت طبول الحرب والخراب.

لا شك أن الاستفزاز الإيراني، بتوجيه قائد الحرس الثوري الإيراني، حسن سلامي، رسالة تحذيرية لأمريكا، من الجزر الإماراتية المحتلة، هي خطوة غير محسوبة النتائج، ولا تتمتع بالدبلوماسية التي تحتاجها إيران، خلال المرحلة المقبلة، سواء لعودة الأمن والاستقرار للشرق الأوسط، أو لعودة أمريكا المحتملة للاتفاق النووي الذي قد يؤدي لرفع العقوبات عن إيران، بل تبدو وكأنها خطوة استفزازية طائشة، لمراهق متنمّر في الحي، لا يدرك أخطاءه إلا بعد ارتكابها.

تحتاج إيران، أكثر من غيرها، إلى تخفيف لهجة التصعيد والتلويح بالحرب والانتقام، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والشعبية المتردية وتفاقم فيروس «كورونا» وثقل عبء الأذرع السياسية والعسكرية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، والتي أثبتت جميعاً، فشل المشروع الإيراني في السيطرة على دول عربية.

حيث أصبحت جميع تلك الميليشيات منبوذة في موطنها، وما تحتاجه إيران، من وجهة نظري، هو إعادة التفكير في ذلك كله، ووضع خطة جديدة تتضمن رؤية السلام القادم بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط، الذي بدأته الإمارات، والتناغم معه والاستفادة من الفرص الكثيرة التي يحققها لشعوب المنطقة.

تدّعي إيران، أن هناك محاولات إسرائيلية، تخطط لمهاجمة المصالح الأمريكية في العراق، لافتعال حرب بين أمريكا وإيران، ولكننا لسنا في ذلك العصر، الذي لم يعد فيه الخبراء يكتشفون مصدر أي صاروخ أو طائرة مسيّرة، فمن النواحي الاستخبارية والتقنية، أصبح سهلاً تحديد مصدر أي أعمال عسكرية، وكذلك فإن إسرائيل لم تعد تخفي استهدافها للقواعد العسكرية الإيرانية في سوريا أو لبنان.

والتي لم ترد إيران على أي منها، فيصبح من الجهل الاستماع أو التفكير في تلك الاحتمالات غير الواردة، والتي لم يكن الهدف منها سوى التلويح والتخويف، الذي لا يستند إلى العقل والمنطق.

إذا كانت إيران ترغب في السلام مع دول المنطقة، كما تصرّح من حين إلى آخر، فعليها أن تعود إلى رشدها السياسي، وليس إلى مزاج مرشدها الثمانيني المنهك، فالدنيا تتغير، والشعوب والأجيال التي تعيش في هذه المساحة الإبراهيمية، أصبحت تواقة للسلام.

*كاتبة وإعلامية