أحدثت الثورة الصناعية الرابعة قفزة تكنولوجية، جمعت الشعوب والمجتمعات في عالم رقمي، نتفاعل معه يومياً، ونتداول أخباره بين أيدينا بضغطة زر، فتغيرت طريقة التواصل والعمل التي اعتدنا عليها. فدمجت العوالم المادية بالرقمية والبيولوجية، مما أدى إلى نظام جديد مبني على أسس الخوارزميات المبتكرة، نشأت بها المدن الذكية، وأصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الذي نعيش فيه.
لذا عد الذكاء الاصطناعي من التكنولوجيا الواعدة التي ستفتح آفاقاً جديدة تمهد الطريق لعدة مجالات واسعة تحمل فرصاً ليس لها حدود، وقد أحدث طفرات رقمية متتالية ساهمت في نهوض صناعات جديدة، وميلاد ديناميكية في مختلف القطاعات الحيوية، مما ساعد على دمج المعلومات، وتحليل البيانات بصورة أسرع، إضافة إلى استخدام الأفكار الناتجة لتحسين عملية صنع القرار بكفاءة وفاعلية.
تدور الماهية الاصطناعية في فلك قدرة الآلات على التعامل مع المهام والتفاعل معها، بحيث تحاكي منطق التفكير عند البشر، ويندرج ضمنها تكنولوجيا تعلم الآلات المتعلق باستخدام الخوارزميات التي تتمتع بالقدرة على اكتشاف الأنماط، وتحليلها بناءً على الأفكار المطروحة، ويعتبر تعلم الآلات المجال الأوسع في الذكاء الاصطناعي حيث يدعم التنبؤ بالمستقبل واتخاذ القرار.
أتاح تعلم الآلات عمل العنصر البشري جنباً إلى جنب العنصر التكنولوجي، فأصبح من الممكن تشخيص الاكتئاب باستخدام الأنماط الصوتية المقترنة بالذبذبات الصوتية للحروف المتحركة، كما يعد تحليل الجينوم لشريحة أكبر بشكل أسرع أحد التطبيقات المهمة لتعلم الآلات، حيث تقوم الخوارزميات بالبحث في جميع المتغيرات في كل جينوم في مجموعة البيانات قبل تحديث نموذجها لتوصيف مجموعات الأسلاف وكيفية تأثيرها على الجينوم الخاص بالفرد.
لم يتوقف نمو الذكاء الاصطناعي عند تعلم الآلات فقط، وإنما توغل ليصل إلى مستويات أكثر تعقيداً مما أدى إلى ظهور علم جديد أكثر تطوراً أو ما يسمى بـ«التعلم العميق»، الذي يحاكي قدرة الإنسان على التعلم وتحليل الأمور، حتى وإن كانت البيانات المتاحة غير كافية أو مفقودة.
تقدم الذكاء الاصطناعي خلف وراءه مخاوف كثيرة حول استحواذ التكنولوجيا على وظائف البشر، ولا تزال بعض المجتمعات ترفض الخوض في هذه التطورات خشية بطالة المجتمع ولغموض نتائجها، على الرغم من كل تلك التكهنات، أثبت الذكاء الاصطناعي كفاءته في أداء مهامه كونه داعماً للإنسان لأداء عمله بصورة أفضل وأكثر فعالية، وأثبتت دراسة من المنتدى الاقتصادي العالمي، أن توظيف الذكاء الاصطناعي سيخفض الطلب على 85 مليون وظيفة، ولكنه في الجهة المقابلة سيرتفع الطلب على 97 مليون وظيفة أخرى منها مختصو الإنترنت والبيانات الضخمة، والتحول الرقمي.
الخوض في عوالم الذكاء الاصطناعي لم يعد خياراً بل أصبح ضرورة، كي لا نتخلف عن الركب وستساهم هذه التكنولوجيا الواعدة في تحسين حياة المجتمع، وفي هذا الصدد رسخت الحكومات استراتيجيات وخططاً لإعداد وتمكين الإنسان، التي تهدف إلى التأقلم مع تطورات العصر، لتكون سباقة في قيادة عجلة التقدم للعلوم الحديثة.