بعد أربع سنوات من حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، يتأهب العالم إلى ولاية الرئيس جو بايدن. وبخلاف سلفه، فإن بايدن له باع طويل في السياسة الأمريكية، فقد تقلد أول منصب له في العاصمة واشنطن في يناير 1973 في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، كما أن بايدن شغل منصباً في الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ وكنائب للرئيس باراك أوباما.

ونحن الآن أمام شخصية مختلفة عن سابقه شكلاً وموضوعاً. فالمزاج الشعبوي الذي اتصفت به الإدارة السابقة على نقيض من الإدارة الجديدة والتي تتصف - على الأقل في ظاهرها - بالمهنية. وهنا التساؤل عن التداعيات السياسية الداخلية والخارجية لانتقال السلطة من ترامب إلى بايدن؟.

وبعد الأحداث التي شهدتها العاصمة الأمريكية في 6 يناير، كان هناك تساؤل حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية والانتقال السلس للسلطة، والتي كانت من خصائص النظام السياسي الأمريكي طيلة ما يقرب من قرنين ونصف القرن. وبلا شك فإن الولايات المتحدة واجهت تحدياً صعباً في مؤسساتها السياسية، حيث إن الحزب الخاسر بقيادته شككت في نتائج الانتخابات. ولأول مرة يرفض المرشح الخاسر الاعتراف بالهزيمة وتهنئة منافسه بالفوز. ومما زاد الطين بلة أن المرشح الخاسر أجج المشاعر، وحرض أنصاره على الاعتداء على المؤسسات الدستورية أثناء أدائها واجبها الدستوري للمصادقة على النتائج الانتخابية.

وقد يرى البعض أن هذه الحادثة عابرة، ولكنها تكشف عن تصدع شديد في البنية الاجتماعية والسياسية للولايات المتحدة، وأن المؤسسات السياسية نخرت وأهترت وتحتاج إلى ترميم. فالمؤسسات مهما طال أمدها وقوى عودها فإنها بحاجة إلى صيانة مستمرة لتواكب المستجدات في أي مجتمع.

وبسبب تأثير الولايات المتحدة على العالم، فهناك كثير من التحليلات انصبت على الدور الأمريكي في العالم. وعلى النقيض من ترامب، فإن بايدن يروم إلى لعب دور أكبر في العالم. ولكن هناك تحديات عديدة تواجه سيد البيت الأبيض الجديد المتعلقة بالاقتصاد والجائحة والانقسام العرقي.

وعلى بايدن استعادة كثير من الثقة من قبل أصدقاء وحلفاء واشنطن في أوروبا والعالم عموماً. ولعل من أهم الإشكاليات في السياسة الخارجية المقبلة، هي كيفية استعادة اللحمة عبر الأطلسي، خاصة في إيجاد توازن في العلاقات مع الحليف التقليدي بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

وقد وضع ترامب كثيراً من العقبات في طريق بايدن بالنسبة للعلاقات الخارجية. فالعلاقة مع الصين ليست على ما يرام، ودور الإدارة الجديدة ستكون غربلة الخطاب بين المبالغات والقضايا المختلفة بين بكين وواشنطن. فهناك تنافس شديد بين الدولتين على قمة العالم قد تؤدي في المستقبل إلى مواجهة، إذا لم تدر العلاقات بكثير من الحصافة.

وستظل قضايا الشرق الأوسط محط اهتمام واشنطن، رغم الحديث عن تقهقر دور الولايات المتحدة في المنطقة. وليس هناك أدل من مدى الاهتمام بالمنطقة من النشاطات الدبلوماسية والتجارية والعسكرية للولايات المتحدة والتي هي في ازدياد مطرد.

وفي هذا المضمار يتساءل البعض عن دور مرتقب لواشنطن في دفع عجلة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. ورغم أن بايدن ألمح إلى إعادة العلاقة مع السلطة الفلسطينية، وأن الإدارة القادمة ستعيد المساعدات للفلسطينيين، إلا أنه من المستبعد أن تقوم الإدارة الجديدة بمبادرة جديدة في هذا المجال.

ويبدو أن الإجماع في واشنطن أن هناك حاجة لتغيير أجيال من الشعب والقيادة في كلا الطرفين للوصول إلى حل، وقد حاولت إدارات متعاقبة التوصل إلى حل منذ الرئيس بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، إلا أن كلها باءت بالفشل.

ولكن المنطقة تواجه تهديدات متعددة، خاصة بعد انسحاب إدارة الرئيس السابق من الاتفاقية النووية، وسياسة الضغوط القصوى التي انتهجها ترامب تجاه إيران. وقد تسعى الإدارة الجديدة إلى العودة إلى الاتفاق السابق شريطة القيام بتعديل كبير في بنود الاتفاق يشمل مدة انتهاء حظر التخصيب، والصواريخ بعيدة المدى والتي تمتلكها إيران.

* كاتب وأكاديمي