غادر الرئيس السابق دونالد ترامب البيت الأبيض مهيض الجناح، ورغم ذلك يدور سؤال كبير حول استدامة الترامبية كونه مذهباً سياسياً بعد رحيله؟

وقد سبق ترامب مذاهب سياسية عديدة، أثرت على الأحوال العامة والسياسية، وبشرت بتغيرات في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، ففي العام 1979 شهدت الساحة السياسية بروز ما عرف بالأغلبية الأخلاقية بقيادة القس جيري فالويل. وقد كان للتحالف بين هذا المذهب والحزب الجمهوري دور كبير في إحياء التوجه المحافظ وتحقيق انتصارات باهرة في انتخابات 1980.

حيث اكتسح الحزب الجمهوري، بزعامة رونالد ريغان البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، وكسب 34 مقعداً في مجلس النواب. وفي نهاية العقد الأول من القرن الحالي، ظهرت حركة داخل الحزب الجمهوري تحت مسمى حركة حزب الشاي، والتسمية رمزية تشير إلى بداية إرهاصات الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر حين رفض الأمريكيون دفع الضرائب دون الحصول على تمثيل ديمقراطي.

والحركة كانت تتكون من تيارات عديدة محافظة وشعبوية يمينية وليبرتارية تسعى لتقليص تدخل الحكومة في الشأن العام، وضبط إنفاقها، وتخفيض الضرائب، ومعالجة عجز الميزانية الحكومية، وتقليل المديونية العامة، وقد شكلت تجمعاً داخل الكونغرس للتأثير على مشاريع القوانين، وما لبثت أن انفكت عراها وذهب ريحها.

أما الترامبية فهي تيار مرتبط بشخص استطاع أن يحشد التأييد لنفسه، وأن يخوض غمار الحملة الانتخابية في سنة 2016، وقد نجح ترامب في التغلب على عتاة الساسة والقادة المخضرمين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وأصبح ترامب والترامبية رقماً صعباً في المعادلة السياسية الأمريكية.

وكان لشعبوية الرئيس السابق جاذبية خاصة لدى قطاعات واسعة من الناخبين البيض، والذين خسروا من واقع العولمة وزيادة الهجرة وصعود الملونين والأقليات العرقية. وقد أحس هؤلاء من البيض المهمشين أن بلادهم، والتي أسسها أسلافهم، قد نشلت من أيديهم؛ خصوصاً أن كثيراً من السياسات التي يتبعها الحزبان الرئيسان هي سياسات انفتاح اقتصادي وانخراط في المنظومة الدولية .

وفي نزاعات لم تجلب إلا المآسي للولايات المتحدة. ويعاني أنصار ترامب من فقدان وظائفهم بسبب الانفتاح على الأسواق العالمية، والصينية بالذات، والتي أدت إلى هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج بسبب العمالة الرخيصة في بلدان العالم. وأصبح التنافس بين البضائع المستوردة إلى الأسواق الأمريكية أرخص من المنتجات الأمريكية المحلية الصنع.

ويتسم الكثير من أنصار ترامب بالتطرف القومي ومعاداة الغريب الأجنبي، وهي الفكرة التي طالما تغنى بها الرئيس ترامب، وكان يردد أن الصين «غبنت» الولايات المتحدة وأنه سيضع حداً لذلك، وأن الأجانب من المكسيك وأمريكا اللاتينية يكتسحون البلاد بهجرة غير شرعية عبر الحدود الجنوبية. ووعد ناخبيه بأنه سوف يبني جداراً لمنع المهاجرين من الدخول إلى الولايات المتحدة، وأن هؤلاء يرتكبون جرائم الاغتصاب والسرقات في البلاد.

وقد نجح ترامب في الترويج لهذه الادعاءات، خصوصاً أن متلقي الادعاءات لديهم قابلية للتصديق بسبب الأحكام المسبقة عن الأجانب والأغراب. ويرى الكثير أن ترامب المنقذ للبيض والمسيحيين البروتستانت، والذين على ظهورهم قامت الولايات المتحدة، وضحوا بالغالي والنفيس، لتحقيق الجمهورية على أنقاض الحكم البريطاني والسكان الأصليين من الهنود الحمر، وهذا هو دافع الكثير ممن اقتحموا مبنى الكونغرس يوم السادس من يناير الماضي.

ويرى صحفي في جريدة «نيويورك تايمز» أن ظاهرة ترامب لها أصول تاريخية في إرث الرئيس السابع للولايات المتحدة، أندرو جاكسون. وقد عرف عن الرئيس جاكسون صرامة غير عادية وتوسع لا هوادة في أراضي الجمهورية الفتية، وقد تسبب توسعه في هلاك عدد من الهنود الحمر وضياع كثير من أراضيهم. ويقول الصحفي: إن الجاكسونية تتسم بالشعور القومي القوي والفتوة العسكرية مع تجنب الانخراط في حروب كثيرة ومغامرات عسكرية.

ترامب ذهب إلى غير رجعة، ولكن الترامبية ستستمر ليس بسبب ترامب، بل بسبب الجذور التاريخية، ولطالما شعر كثير من الأمريكيين البيض البروتستانت بالغبن، وأن بلادهم خطفت منهم، وأن حريتهم قوضت من قبل الحكومة الفيدرالية، والتي ضيعت حقوقهم وحريتهم في «أرض الأحرار ووطن الشجعان»، كما يقول النشيد الوطني الأمريكي.