تركت القاهرة في الطريق إلى شيكاغو عام 1977 للدراسة والتعرف إلى العالم الجديد. وقتها كان قد بات معروفاً في مصر أن لقب «السيدة الأولى» قد أطلق على السيدة جيهان السادات، في سابقة لم تكن معروفة من قبل في العالم العربي. فيما بعد تعرفت إلى السيدة الجليلة، وما قدمته لمصر من خدمات كبرى، سواء أثناء حياة الرئيس أو بعد اغتياله، صارت نبراساً لقيادات نسائية عديدة. في الولايات المتحدة كان تاريخ «السيدة الأولى» طويلاً، وجزءاً من الساحة السياسية ربما منذ «اليانور روزفلت» التي حصلت على هذا الدور على مدى أربع فترات رئاسية كان فيها «الكساد العظيم»، كما كان فيها الحرب العالمية الثانية. بعد ذلك أصبح الدور مراقباً بشدة، وبالنسبة لي فإنه بات واحداً من الأمور التي يجري النظر إليها في السياسة الأمريكية.



لفت نظري بمجرد وصولي إلى الولايات المتحدة، الدور الذي كانت تلعبه السيدة الأولى «روزالين كارتر» التي كان تواضعها مكملاً بشكل كبير لتواضع زوجها جيمي كارتر. كلاهما لم يكن محظوظاً، فقد خدما الدولة الأمريكية لفترة رئاسية واحدة، يذكرها الأمريكيون بالخير، ولكنهم في نفس الوقت لا يودون تكرارها.





«نانسي ريجان» كانت نوعاً آخر، لأنها كانت نافذة إلى دوائر الحكم واختيار الشخصيات في الحكم، وحتى السياسات العامة. لم تكن صحة الرئيس ريجان على ما يرام، وكانت لديه أثناء فترة رئاسته الثانية بوادر مرض الزهايمر، ولذا كانت تشرف شخصياً على مسارات عمل الرئيس في حله وترحاله، وتتأكد دائماً من أنه قد حصل على ما يكفي من الراحة الجسدية والمعنوية. إلا أن أكثر ما لفت النظر في دورها، أنها كانت من المؤمنين بالتنجيم والمنجمين، ولذا فإنها لم تكن تسمح باتخاذ قرار دون التشاور مع منجم يأتي لها من لوس إنجليس، مهما كان الأمر خطيراً. مثل هذا الأمر كان مزعجاً بالطبع، وخاصة بالنسبة لشخصيات نافذة مثل جيمس بيكر، الذي عمل رئيساً للعاملين في البيت الأبيض ووزيراً للمالية ثم الخارجية.



«بربرا بوش» زوجة الرئيس الواحد والأربعين، جورج بوش الأب، وأم الرئيس الثالث والأربعين، جورج بوش الابن، كانت لها شعبيتها الخاصة بما تشع به طيبة وحناناً كأم وزوجة. وقيل إنها لذلك كانت الأكثر شعبية في العائلة كلها. هيلاري كلينتون كانت نوعاً آخر من السيدات الأوائل، وهي أنها كانت شريكة في الحكم، وبعد ذلك انتخبت عضواً بمجلس الشيوخ وصارت وزيرة للخارجية.



في الأصل فإن «السيدة الأولى» ليست فقط زوجة الرئيس، ولكن لها نوعاً من الحياة السياسية، حتى ولو لم تكن منتخبة؛ فلها طاقم من العاملين والمستشارين الذين يساندونها في الخطب التي تلقيها، والتصريحات التي تدلي بها.



ولكن زوجة الرئيس بيل كلينتون كانت من قماشة أخرى سياسية حتى النخاع، فنجحت في اختبار الخيانة الزوجية، وبقي كلاهما في البيت الأبيض. «لورا بوش» زوجة جورج بوش الابن، عادت بدور «السيدة الأولى» إلى ما كان عليه من حدود، والقيام بالأعمال الخيرية، وما يلقى إليها من مهام أثناء الحملات الانتخابية. «ميشيل أوباما» كانت نوعاً من العودة إلى «السيدة الأولى السياسية» حتى أنها طُرحت من قبل كثيرين لكي تكون مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات. هي الأعلى تعليماً بين السيدات الأوائل، وهي خريجة برينستون وهارفارد، ولديها مواهب خطابية كبيرة ولافتة للنظر. «ميلانيا ترامب» كانت خروجاً من القواعد كلها لـ«السيدة الأولى»، فالمؤكد أنها أجمل الجميلات بين زوجات كل الرؤساء، وقد عملت في مرحلة من حياتها «موديلاً» للملابس وغلاف مجلات نسائية.



 من ناحية أخرى، ونظراً لأصولها الأجنبية، فإنها لم تكن خطيبة مفوهة، ولذلك فإنها قصرت نشاطها على بعض الأعمال الخيرية، وغير ذلك فإنها كانت الأكثر تحفظاً في إظهار الحب لزوجها، وكان عليها أن تعيش قصة صعوده المثير، ثم قصة تراجعه وخروجه من البيت الأبيض الموجعة، وفي كلاهما كان عليها التعامل مع شخصية دونالد ترامب غير العادية في التاريخ الأمريكي. «جيل بايدن» هي آخر السلسلة من السيدات الأوائل، وهي أستاذة جامعية وقفت إلى جانب زوجها عندما كان نائباً للرئيس حتى أصبح رئيساً. معضلتها كانت أن العاملين في البيت الأبيض لم يكونوا يعرفون كيف يخاطبونها، وهل يقولون لها «المدام السيدة الأولى»، أم «الدكتورة الأستاذة»!



* كاتب صحفي مصري