الأصل في الأمر هو أن كل البشر متساوون بعد أن حملتهم أمهاتهم تسعة شهور، وخرجوا إلى الدنيا في صورة واحدة، وبعدها يبدأون سباقاً في الحياة يعطي فرصاً متكافئة.
ولكن الحقيقة ليست كذلك، فسرعان ما تظهر فروقات كبيرة في الذكاء والمهارة والعلم وجمال الطلعة، وبالطبع الثروة والمكانة والنفوذ والقوة. الفارق أيضاً يحدث عند الطلاق، فليس كل طلاق سواء، وعندما أشهر بيل وميلندا غيتس أنهما قررا الطلاق، فإن الواقعة لم تكن مثل كل وقائع الطلاق المعروفة حتى بين الأغنياء.
لمزيد من التوضيح فإن مالك شركة «أمازون» جيف بيزوس، الملياردير الذي يقع في مقدمة أغنياء العالم حالياً بثروة قدرها 177 مليار دولار، قام قبل فترة ليست بعيدة بطلاق زوجته، لكي يتزوج مذيعة تلفزيونية جميلة. القصة هنا عادية، فمن الممكن حتى بين الأغنياء أن يشعر الزوج بالملل من رفيقة حياته، ويحتاج إلى رفيقة حياة أخرى.
ما فعله بيزوس أنه منح زوجته تسوية قدرها 38 مليار دولار، وجرت عملية الانفصال دون ضجيج. مثل ذلك يحدث في الحياة، ولكنه كان مستغرباً عندما جرى مع بيل وميلندا جيتس فزواجهما الذي تم قبل 27 عاماً وتحديداً في العام 1994 بدا مثالياً في كل الأوقات. فمن ناحية السمات الشخصية، فإن كلاهما لا ينتميان إلى نوعية الشخصيات الزاعقة التي يضيف لها المال أنواعاً من السمات التي بها الكثير من القلق والضوضاء.
أشرنا إلى شخصية جيف بيزوس، ونشير أيضاً إلى مؤسس شركة «تسلا»، إيلون ماسك، ويقع في المقدمة بين مليارديرات العالم الذي لا ينام الليل قبل التأكيد على تميزه بين البشر، ليس بالمال وحده وإنما بقدرته على اقتحام الفضاء. بيل وميلندا كانا دوماً من الشخصيات الهادئة والتي لها هدف من الحياة أكثر رقياً وسمواً مما اعتاد غيرهم من البشر السعي له.
لم تكن هذه الحالة ناجمة فقط عن دور كل منهما في بناء شركة «مايكروسوفت» الذي كان لها دور أساسي في تغيير الحياة الإنسانية من خلال ثورة صناعية وتكنولوجية كاملة (الثالثة)، وإنما في اتفاق كليهما على أن المال هو وسيلة لسعادة البشرية كلها.
صحيح أن «بيل» كان له الدور الأكبر في إنشاء وبناء الشركة، وما تفرع عنها من شركات مع رفيقه بول آلين، ولكن ميلندا التي كانت مديراً عاماً للشركة، أصبحت الرفيقة والزوجة التي أسست معه مؤسسة عالمية للأعمال الخيرية تربو قيمتها السوقية على 47 مليار دولار، وقادرة على جذب أموال ومليارات من شخصيات كبيرة مثل وارين بافيت لكي يعطي المؤسسة القدرة على علاج الأمراض المتوطنة في أفريقيا، وإجراء البحوث والتطوير من أجل إنقاذ كوكب الأرض من ظاهرة الاحتباس الحراري.
هل من يطمحون إلى هذه النوعية من الحياة السامية يطلّقون بعضهم بعضاً كما تفعل العامة والفقراء والأقل شأناً؟!
حدث الطلاق كان النبأ الأول في جميع وسائل الإعلام العالمية المعروفة، ارتجت أسواق المال العالمية، لأن لا أحد يعرف ماذا سوف يحدث للشركات التي يشاركون فيها أو للمؤسسة التي أنشآها؟ الظاهر من الطلاق أنه لم يكن لا عنيفاً ولا ناجماً عن حالة من حالات النزوات الطارئة.
البيان الذي صدر عنهما كان هادئاً، يتحدث عن الإنجازات التي حققاها في تربية ثلاثة أبناء «رائعين»؛ وفيه طمأنة للسوق والبشر أنهما سوف يستمران سوياً في إدارة المؤسسة.
إذا كان في الأمر استمرار للعلاقة، أو بعضاً منها فلماذا هذا الانفصال إذا؟ الإجابة كانت مركبة، ولكنها تليق بهما، فهما أصدرا هذا القرار بعد قدر كبير من التفكير، و«الكثير من الجهد للحفاظ على العلاقة»، في إشارة إلى أنهما ربما لم يتحدثا سوياً فقط، أو تدخل أصدقاء بينهما، وإنما المرجح أنهما ذهبا إلى مختصين في العلاقات الزوجية؛ ومع ذلك فإنه لم يكن هناك من طريقة لتجنب الانفصال.
والسبب الذي طرحاه هو أنه لم يعد ممكناً لهما «النمو معاً» كزوجين في المرحلة التالية من حياتهما. هذا السبب ليس معتاداً كثيراً في تحليل حالات الانفصال، ولكن لما كان كلا الطرفين لديه من الاتساق الذاتي مما لا يعطي للكذب مكاناً، فإنه يجب أخذ ما يقولانه بالجدية التي يستحقانها.
هناك فارق عمري بينهما قدره تسع سنوات، فهو من مواليد 1955، وهي 1964، الفارق الزمني لم يكن مهماً عند الزواج في 1994؛ ولكنه الآن بات أكثر أهمية من النواحي العاطفية والنفسية، والأهم بالنسبة لهما، كيف سيكون نمو الشخصية في مرحلة باتت فيها المسافة بحكم السن أكبر؟ ربما تجد ميلندا نموها في المؤسسة، ولكن بيل سوف يجد نموه في تغيير العالم. هي مسافة لم يكن ممكناً عبورها!