قبل أيام قليلة طرحت سؤالاً، أو بمعنى أصحّ، أجريت استفتاءً عبر حسابي في منصة التواصل الاجتماعي «تويتر»، لأسأل المتابعين الكرام ورواد هذه المنصة عن رأيهم في مسألة إعطاء الرجل فرصة ثانية، بعد دخوله في نزوة عابرة حال كونه متزوجاً، والذي يمكن أن تسمّيه الكثير من الزوجات الخيانة، وكانت نتيجة الاستفتاء الذي شارك فيه أكثر من 7 آلاف شخص بأن 88% ضد إعطاء الرجل فرصة ثانية، و12% فقط مع إعطائه فرصة أخرى، وهذا الاستفتاء باعتقادي يمثل العقلية العامة لمجتمعنا، ويظهر بأن مجتمعنا ضد الفرصة الثانية، وما قادني لكتابة هذا المقال والاستكمال في طرح هذا الموضوع، هو ردود الفعل والتعليقات التي وجدتها في المنشور، والتي تحتاج إلى تحليل ودراسة لكونها تعكس توجّهات مجتمع بأكمله ومشاكل لا حصر لها تؤثر في تكوين مجتمعاتنا وإليكم التفصيل.
في البداية، وقبل كل شيء وحتى نتفق جميعاً؛ لست ممن يدافعون عن الرجل ونزواته، ولا أنا مع أو ضد المرأة، فطرحي أعمق من هذا كله، فقضيتي صلاح المجتمع بالدرجة الأولى والاستقرار الأسري أعتبره سبباً رئيسياً في تحسين وجودة الحياة بأكملها، فعندما نجد الاندفاعية في ردود الأفعال للإجابة عن استفتاء بهذا الشكل، أو التعليق عليه دون فهم أبعاده وحيثياته وحتى تشكيل تصوّر معين عنه؛ فحينها يجب أن نعلم بأن هناك اندفاعية كبيرة في التعامل مع القضايا الأسرية، وهذا الأمر أجده أكثر ما يسبّب حالات الطلاق في المجتمع، ولكم أن تتخيّلوا المصائب التي نجدها في قضايا الطلاق، وأحوال المطلّقين وأبنائهم وحياتهم بأكملها.
النزوات العابرة أو حتى الخيانة كما يحب أن يسميها البعض ولهم الحق بذلك في بعض الجوانب قضية كبيرة ومتشعّبة ولها درجاتها، وهذا يجب أن نفهمه جيداً، فليس معنى النزوات العابرة وقوع الرجل في الزنا، فيمكن أن تكون مجرد كلمات أو أحاسيس أو مشاعر متبادلة، لم تتطور لتصبح حتى علاقة لها شكلها ومسمّياتها الصريحة، فهل هذا يحاسب كمن وقع في الزنا، أو حتى من تكوين علاقة بشكل معين مع شريك جديد، بالطبع لا، ولهذا كنت حريصاً على عدم توضيح الأمر عندما كتبت الاستفتاء، لكي أصل إلى نقطة وحقيقة تثبت أن مجتمعاتنا أصبحت اندفاعية كثيراً، وتمضي في ردود أفعال لا تحسب عقباها، ولك عزيزي القارئ أن تقرأ في إحصائيات الطلاق لدينا لتجدها مرتفعة والسبب يعود إلى قرارات سريعة واندفاعية غير متزنة.
للأسف وأقولها بكل ألم؛ مجتمعاتنا باتت تستسهل الانفصال وتستسهل الطلاق، وهذا أبداً لا يعني أننا ندعو لتقبّل الزوجة نزوات ورغبات زوجها، أو تقبّل الرجل طبائع الزوجة وتصرّفاتها دون أن يفتح أي طرف منهما فمه بكلمة واحدة، إنما القصد أن الفرصة الثانية والثالثة والرابعة يجب أن تكون هي طريقنا وتوجهنا، عندما يتعلق الأمر بحياة أسرية نتقاسمها مع شريك حياتنا ومع أولاد نحن مسؤولون عن «خلفتهم»، ونحن بذلك مسؤولون عن توفير الحياة السليمة لهم.
علاقتك مع شريك الحياة سواء أكنت رجلاً أو أمرأةً ليست كعلاقتك مع سيارتك تبدلها لأنها لا تعجبك، ولا هي كعلاقتك مع شركتك تقدم استقالة وتمضي في طريقك، العلاقة هنا علاقة يدخل فيها أطراف كثيرة يجب أن تقدم فيها أقصى درجات التنازل والتصالح، لتحافظ على جميع المكوّنات أو تخرج منها خروجاً سليماً بعد عمليات من الإصلاح، لكن أن يفكر كلا الزوجين بأن الطلاق هو أقرب الوسائل وأسهلها فهذا يعد أمراً خطيراً علينا إعادة النظر فيه ومعالجته.
الإنسان خطّاء بطبعه وبتكوينه، ويمكن أن يحدث الخطأ في أي موقف أو تصرف، وأعيدها مرة أخرى عندما يتعلق الأمر بعائلة وعلاقة أسرية علينا أن نتجاوز عن الكثير من الأخطاء، ونحاول تصويبها مراراً وتكراراً ما دام الأمل في الإصلاح والتغيير موجود فعلينا المحاولة، وألا نُحمّل الأمور مسمّيات أكبر من حجمها، فليس كل علاقة بين رجل وامرأة هي خيانة بمفهومها المجتمعي، وليست كل نزوة عابرة هي علاقة زنا، ولنتصالح مع أنفسنا ومع شركاء حياتنا لنحافظ على أسرة تكوّن مجتمعاً، ومجتمع يقود دولة، وإن وجب أمراً فيجب على مؤسساتنا المجتمعية أن تعالج الاندفاعية التي كانت وستكون سبباً للطلاق، وإقناع الأزواج بأن الحل يكمن في الفرصة الثانية، مهما كانت الأخطاء تكريماً لعائلة وأولاد يستحقون هذه الفرصة.