إذا كانت فرنسا - وهي دولة كبرى- تنوي تأسيس وكالة لمكافحة التضليل الإعلامي الأجنبي في سبتمبر المقبل، فماذا عساها تفعل بلدان العالم الثالث، ومنها البلدان العربية؟!

فكرت في هذا السؤال، حينما طالعت يوم الخميس قبل الماضي، خبراً مفاده أن الحكومة الفرنسية تخطط لإنشاء وكالة لمكافحة التضليل الإعلامي الأجنبي والأخبار المزيّفة التي تهدف إلى زعزعة الدولة.

هذه الوكالة كما قال رئيس الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي ستيفان بويون، ستقوم بتشغيل ٦٠ شخصاً لمراقبة المحتوى على شبكة الإنترنت العالمية، كما تهدف لتحديد الهجمات الإلكترونية التي تأتي من دولة أو منظمة أجنبية، وتهدف إلى زعزعة الاستقرار السياسي للدولة.

هذه الوكالة أيضاً كما يقول بويون، ستديرها «الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي» (اس جي دي اس ان)، ومهمتها الأساسية أنها تساعد السياسيين والدبلوماسيين والقضاء والصحافة، على إدراك أنه من بين 400 ألف تغريدة على خبر ما قد تكون هناك 200 ألف تغريدة جاءت من سفينة تابعة لمنطقة أجنبية أو نقاش معين مصدره متصيّد أو «ترول».

ما صار مؤكداً أن كل البلدان في العالم كبيرها وصغيرها، قويها وضعيفها، صار عرضة للهجمات والاختراق والتأثير والتضليل الإلكتروني، الفارق فقط في الدرجة وقدرة من يتعرضون للهجوم على كشفه وصده والرد عليه.

نذكر جميعاً أن هناك اتهامات تقول إن قراصنة روساً تدخلوا لمصلحة دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016، ضد المرشحة هيلاري كلينتون وهو ما نفته روسيا أكثر من مرة. ونتذكر أيضاً أن اتهامات مماثلة طالت الصين ودولاً مختلفة، ومنها بلدان عالمية بمحاولة التدخّل في الانتخابات الأمريكية الأخيرة ضد جو بايدن.

ونتذكر أيضاً أن الشركة البريطانية كامبردج أنالتيكا قد أشهرت إفلاسها في مايو عام 2018، بعد اكتشاف أنها استغلت بيانات مستخدمي موقع «فيسبوك» في حملات سياسية مختلفة ومنها دعم حملة دونالد ترامب عام 2016.

هذا ما نعلمه من وقائع، والمؤكد أن هناك مئات وربما آلاف أو ملايين الوقائع المماثلة التي لا نعلمها، وتدور جميعها في محاولات التضليل التي تقوم بها مؤسسات أو تنظيمات أو أجهزة أو دول ضد آخرين بهدف التأثير فيهم.

وإذا كانت وكالات متخصصة، قد تمكنت من التأثير في الانتخابات الأمريكية، وفي عشرات الأحداث السياسية المهمة في بلدان متقدمة، فماذا يمكنها أن تفعل مثل هذه الشركات وأجهزة الاستخبارات في عالمنا العربي والإسلامي والإفريقي والعالم النامي عموماً؟!

بهذا المنطق، فإننا شبه مكشوفين أمام عمليات ومحاولات التضليل، التي تتم ليل نهار وبصورة احترافية حيناً وفجة في أحيان أخرى.

الوكالة الفرنسية الجديدة لا علاقة لها بالمخابرات الفرنسية وستخضع أنشطتها لمراقبة من قبل لجنة أخلاقيات مستقلة كما يقول بويون، وما لفت نظري في كلامه أن نصف عدد التدوينات الموجودة، ربما يكون غير صحيح أو يهدف للتضليل من قبل أجهزة أجنبية محددة.

المشكلة الخطيرة في هذا الكلام أن العديد منا يقرأ هذه التدوينات ولا يدقق فيها جيداً، بل يصدقها ثم يتبناها، بل ينشرها ويبني عليها تحليلاته وآراءه، وهو لا يعلم أنها مزيفة أو مضروبة.

هذا الأمر يقع فيه معظمنا في غالبية بلدان العالم ليل نهار، لأن غالبيتنا صار يعتمد إلى حد كبير على ما يقرأه في وسائل التواصل الاجتماعي من دون تدقيق.

أعذر من يقع في هذا الكمين، لأن المضللين لديهم مهارات احترافية في صوغ الرسائل المزيفة، ثم إن كثيراً من الناس لا يقرأون إلا العناوين وليس لديهم الصبر الكافي للاستمرار، وليس لديهم قدرة علي الوصول لمصادر تكون قادرة على التدقيق في المعلومات المزيفة أو «المضروبة».

نحتاج في كل بلداننا إلى وكالات متخصصة تكشف التضليل، بغض النظر عن الجهة التي يأتي منها، ونحتاج أكثر إلى أن يتمتع شبابنا العرب بالتفكير النقدي الحقيقي حتى يكونوا قادرين على التفريق بين الخبر الصحيح والمضروب!

* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية