لفترة طويلة جداً، كانت روايتنا للعالم كمنطقة تُسرد ليس من قبلنا، بل من قبل أذرع استعمارية في الشرق الأوسط، ويمكن إرجاع ذلك إلى عام 1798 عندما غزا نابليون مصر لأول مرة.

وما ميّز هجوم نابليون عن غيره من الغزوات الإمبراطورية الأخرى في عصره هو اصطحابه لأكثر من مئة كاتب وفنان ومفكر خلال حملته.

وقد شرع جيش نابليون «الثقافي» هذا، إذا جاز التعبير، في تصوير العرب على أنهم همجيون وغير متعلمين وغير متحضرين، وهم، في الجوهر، على عكس الرجل الأوروبي المتفوق «الأبيض» الذي شيدوه في مخيلتهم الجماعية وأعمالهم الإبداعية.

وقد يخيل للمرء أنه في الفترة الممتدة من 1798 و2021 ستتخلى وسائل الإعلام الغربية والمنظمات غير الحكومية ومراكز الفكر الأجنبية عن تلك الصور العنصرية، لكن لسوء الحظ لم يكن هذا هو الحال.

وبصفتي كاتبة إماراتية وعربية، فإنني شاهدت كما شاهد العديد من الأجيال العربية التي سبقتني تأثير تلك الصور النمطية والسرديات التي عفا عليها الزمن على المناقشات العالمية التي تدور حول الشرق الأوسط. ومصطلح الشرق الأوسط هو أصلاً مصطلح استعماري ارتبط للأسف بشكل حصري، مع مرور الزمن، بالعنف وعدم الاستقرار في تقارير وسائل الإعلام الدولية.

وأيضاً ككاتبة، تساءلت: لماذا يصر المجتمع الدولي على امتلاك وجهة نظر غير صحيحة عن الشرق الأوسط، ومتى سينطق الشرق الأوسط بآرائه الصريحة عن واقع المجتمع الدولي وتحدياته؟

هذه ليست أسئلة سهلة، وبالتأكيد لا توجد إجابات سهلة لها، ولكن هذا ما دفعني لبناء وإطلاق «مؤسسة فكر» اليوم، وهو مركز أبحاث متعدد التخصصات يتخذ مقره في دبي، ويحمل على عاتقه المهمة البسيطة التالية، وهي: استعادة روايتنا الموجودة في الخارج كمنطقة، والانخراط في حوار فعلي ثنائي الاتجاه مع بقية المجتمع الدولي حول القضايا الدولية الرئيسية ذات الاهتمام المشترك.

وعلى عكس النماذج الأكاديمية الصارمة التي تستخدمها مراكز الأبحاث في معظم أنحاء العالم، تحرص «مؤسسة فكر» على تبني نهج متعدد التخصصات لدراسة الشؤون الدولية، من خلال الجمع بين السياسة الخارجية والثقافة، ومن خلال دمج الأرقام والفنون في الوقت نفسه.

وفي «مؤسسة فكر»، عند دراسة منطقة ما، لن ننشر تقارير أكاديمية فحسب، بل سننشر أيضاً نصوصاً في الشعر والمسرحيات والأدب. وعندما نحلل بلداً ما، لن نكتفي بنقل الأرقام والإحصاءات الرسمية، بل سنعرض أيضاً اللوحات والمنحوتات والمقطوعات الموسيقية.

واليوم، نطلق ستة برامج بحثية، مقسمة إلى مجالات لدراسة الأقاليم الجغرافية، وأخرى لدراسة الموضوعات.

وعلى صعيد الأقاليم الجغرافية، سنركز على غرب آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية. وفي غرب آسيا وشمال أفريقيا، تهدف «مؤسسة فكر» إلى نزع الاستعمار من السرديات المحيطة بتلك المنطقة.

وفي أوروبا، نريد أن نستكشف مسألة السيادة الوطنية في مقابل التعاون متعدد الأطراف في الاتحاد الأوروبي، ودراسة بمزيد من التفصيل الأسباب الكامنة وراء صعود النزعة الشعبوية الأوروبية، وتراجع المساواة بين الجنسين في القارة، وعودة ظهور التطرف الديني في أوروبا.

وفي أمريكا الشمالية والجنوبية، نهدف إلى فهم أبرز التحديات الحالية التي تواجه هذه المنطقة الديناميكية، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، زيادة الجرائم المرتكبة من قبل الشرطة وتزايد الانتهاكات المحلية لحقوق الإنسان في أمريكا.

وعلى صعيد الموضوعات، سوف نتعمق في الدبلوماسية والحوكمة العالمية والمساواة بين الجنسين وتغير المناخ. وفي الدبلوماسية والحكومة العالمية، سوف ندرس الاختلالات في هذا المجال في ضوء الطبيعة المتغيرة للشؤون العالمية، وفيما يجد المجتمع الدولي نفسه مرتبطاً بشكل وثيق أكثر ببعضه بعضاً، ولكنه أكثر بعداً من أي وقت مضى.

وفي مجال المساواة بين الجنسين، تسعى «مؤسسة فكر» إلى استكشاف الفروق الدقيقة وراء التحديات التي لا تزال المرأة تواجهها في جميع أنحاء العالم، ولوضع سياق لمشاركتهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأوسع نطاقاً. وفي مجال تغير المناخ، نهدف إلى دراسة نماذج المرونة والاستدامة من أقاليم مختلفة.

هذه دعوة مفتوحة للمفكرين والمبتكرين والكتاب والشعراء والفنانين في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم للانضمام إلى مهمتنا والمشاركة في هذا الحوار الجديد والبنّاء.

وسنكون على صواب في بعض الأمور، وربما نكون على خطأ في أمور أخرى، وهذا هو بالضبط نوع المنصة التي نريد بناءها معاً: مكان نختبر فيه الأفكار، ونناقش الحلول، ونعزز التفاهم الفكري العميق بين الشرق الأوسط والعالم، كشركاء متساوين في المجتمع الدولي.

* روائية إماراتية ورئيسة مؤسسة فكر