لم يتم الرئيس الأمريكى جو بايدن عامه الأول، إلا وكان الصحافي الأشهر في الولايات المتحدة، بوب وودورد، قد أتم كتابه الثالث عن المرحلة التاريخية الراهنة في السياسة الأمريكية.
الكتاب الأول بدأ مع العام الأخير من رئاسة باراك أوباما، ودخل فيها إلى الساحة السياسية، مرشحاً للرئاسة، دونالد ترامب، حيث فاز في الانتخابات، وقبل أن ينتهي عامه الأول، كان الصحافي الذي بدأ شهرته مع فضيحة «ووترغيت»، قد وضع كتابه الأول بعنوان «الخوف Fear».
الكتاب اعتمد على شهادات متنوعة من داخل البيت الأبيض، وكلها عكست حالة من الفوضى في كل ما يتعلق بصناعة القرار، وفزعاً من احتمالات أن يكون الرئيس الأمريكي قد جاء إلى السلطة، على أسنة رماح الحرب السيبرانية الروسية.
لم يكن كتاب «وودورد»، هو الكتاب الوحيد الذي عكس هذه الحالة، فقد عكست كتب أخرى، أصدرها مقربون من ترامب، ذات الأوصاف، وكان من بينها المحامي الخاص مايكل كوهين، والصحافي مايكل وولف، والمستشارة مانيجولت أوماروزا.
وقبل شهور من نهاية العام الثالث، كان وودورد، قد كتب كتابه الثاني «الغضب Rage»، وهذه المرة، فقد قامت كتابته على مقابلات صحافية طويلة، كان بينها مقابلة ترامب، وكشفت بقوة عن الفشل الذي اعترى آلة القرار الأمريكية، في مواجهة جائحة «كورونا».
وبعد عام من صدور الكتاب، كان وودورد يكتب كتابه الأخير، الذي زامل فيه الصحافي روبرت كوستا، تحت عنوان «الخطر Peril»، وفيه كانت رحلة فكرية جديدة، ذات وجهين: أفول وسقوط مدوٍ لترامب، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، والصعود الكبير لجوزيف بايدن الرئيس السادس والأربعين. وما بين هذا وذاك، كانت الولايات المتحدة تتعرض لخطر بالغ.
الشائع في الأدب السياسي الأمريكي، أن الرئيس المهزوم في الانتخابات، والجالس في البيت الأبيض، في العادة، يكون مثل البطة العرجاء، لا يفعل الكثير، ويترك الأمور الهامة للرئيس القادم، يقضي فيها كما يشاء، خاصة أنه قد حصل على تأييد الناخبين.
بالنسبة لترامب، فإن القصة مختلفة، فهو لا يلتزم بكل التقاليد، وهو لا يؤمن كثيراً بالمؤسسات، ونقطة البداية لديه، أنه لم يخسر الانتخابات، وإنما جرى تزويرها، وبينما كان يفعل ذلك، كان يحاول جذب المؤسسة القضائية للعمل لصالحه، وكانت هناك احتمالات حقيقية لكي يشن حرباً في اتجاه الصين، لكي يجذب الأنظار بعيداً عن محاولاته لتغيير نتيجة الانتخابات.
هكذا شاعت الشكوك حياله، على الأقل من جانب القيادة الصينية، التي هالها ما يجري داخل الولايات المتحدة، واستنتجت أن قائدها ربما يلجأ إلى ما يلجأ إليه بعض جنرالات العالم الثالث، بأن يشن حرباً تصرف الأنظار عما يجري داخل البلاد.
هذا الخطر، دفع رئيس هيئة الأركان الأمريكية، مارك ميللي، إلى الاتصال مع وزير الدفاع الصيني، لكي يقلل من قلقه، ويخبره أن الجيش الأمريكي لديه من القدرات والقواعد التي لا تسمح لرئيس بتجاوز غير مقبول.
لم يكن الخطر توريط الدولة الأمريكية في حرب، لا يريدها أحد، وإنما أكثر من ذلك، كان الخطر جذب المؤسسة العسكرية في اتجاه إعلان الأحكام العرفية، والضغط على المؤسسات القضائية والانتخابية، للإقرار بأن الانتخابات قد زورت.
وعندما فشل كل ذلك، فإن ترامب لجأ إلى أسلوب البحث عن ثورة شعبية، يوم 6 يناير 2021، وقبل أيام من تولي الرئيس الجديد للسلطة، من أجل منع الكونغرس من التصديق على نتيجة الانتخابات، وتنصيب الرئيس الجديد.
وفي هذا السبيل، فإن ترامب مارس ضغوطاً غير مسبوقة على صديقه ونائبه مايك بنس، لكي لا يصدق على نتائج الانتخابات، باعتباره رئيساً لمجلس الشيوخ، وهو ما رفضه الرجل، في وقفة تاريخية.
وفي المقابل، كان الديمقراطيون يستغلون الفرصة، لكي يطالبوا نائب الرئيس، بتطبيق التعديل الخامس والعشرين، الخاص باعتبار الرئيس خارج السيطرة العقلية، والتي توجب قيام نائب الرئيس وأعضاء الحكومة، بالإعلان عن ذلك، وطرد الرئيس من منصبه. لم يقبل مايك بنس لا بهذا ولا ذاك.
ولكن كانت الديمقراطية الأمريكية في خطر بالغ، وربما كانت الدولة الأمريكية أيضاً، فهي، فضلاً عن الانقسامات الكبيرة، والفوالق الضخمة داخل النخبة السياسية الأمريكية، فإن عدوى الفتنة لم تكن بعيدة، والإرهاب الأبيض كان قريباً، وفي هذا المناخ، جاء بايدن، والمرجح أن وودورد بدأ يكتب كتاباً آخر!