انتبه رئيس شركة فيسبوك مارك زوكربيرغ في مؤتمر صحافي مطلع الشهر الفائت إلى اقتصاد الميتافيرس فقال «أفكر في الميتافيرس باعتباره الجيل المقبل من الإنترنت.. بدلاً من أن تكون الإنترنت شاشة خارجية ننظر إليها على هواتفنا المحمولة أو شاشات الحاسوب، ستصبح جزءاً منا ونحن جزءاً منها.. إنترنت المستقبل هو شيء يمكننا أن نكون في داخله»، ويعرف زوكيبرغ هذه البيئة الجديدة، أي بيئة الميتافيرس، على أنها «بيئة افتراضية غامرة، حيث يمكنك التواجد بالفعل مع الناس في البيئة الرقمية والمجتمع الرقمي، يمكننا التفكير به على أنه إنترنت متجسد، تتواجد فيه فعلياً بدلاً من مجرد النظر إليه كما يحدث الآن».
وبشكل جدي أكثر فقد قامت شركة فيسبوك أخيراً بتغيير اسمها إلى ميتا، وهي إشارة إلى مستقبل ما بعد الإنترنت، كما وقد استحدثت شركة مايكروسوفت أخيراً إدارة جديدة فيها أطلقت عليها «مشروع ميتافيرس» على حد قول ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت (Microsoft)؛ كما أن «فيسبوك» أطلقت قبل أيام برنامج «غرف عمل هورايزن» (Horizon Workrooms) كتجسيد أولي للميتافيرس تمهيداً للدخول في عالم اقتصاد الأفاتار، ويمكن للموظفين في «غرف عمل هورايزن» الجديدة الدخول إلى مكتب عمل افتراضي باستخدام شخصية وهمية - «أفاتار» (avatar) - خاصة بكل واحد منهم، وفي هذه الغرفة الافتراضية سترى حاسوبك وزملاءك، وتتفاعل وتعمل وتتبادل الأفكار معهم بشكل كامل كما لو كنت في غرفة عمل حقيقية في مبنى الشركة.
أما قوام «الميتافيرس» وهو اقتصاد «الافاتار»، فيمكننا التعريف به من خلال هذا المقال، حيث يشار إلى مصطلح «الأفاتار» على أنه تمثيل جرافيكي أو رسم لشخص حقيقي، غالباً ما يوجد في ملفات المستخدمين الشخصية للمنتديات على الإنترنت، وفي خدمات الرسائل الفورية أو الدردشة أو الشبكات الاجتماعية، وتمثل هذه الرسومات شخصية مؤلف المدونة أو المدونات الصغيرة بصورة ثنائية الأبعاد، أو من الممكن أن تكون شكلاً ثلاثي الأبعاد، يحتل مكاناً في العالم الافتراضي، مثل الحياة الثانية.
وقد تم ابتكار هذا الرمز من قبل تشيب مورنينغستار (Chip Morningstar) وجوزيف روميرو (Joseph Romero) في عام 1985، عند قيامهم بتصميم لعبة (Habitat)، وهي لعبة متعددة اللاعبين على شبكة الإنترنت.
أما اقتصاد «الأفاتار» فنعني به ذلك الفضاء من الأعمال المنشئة بتقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز، والذي تباع من خلاله المنتجات والسلع مباشرة للهويات الرقمية «الأفاتارات»، متجاوزة أي إدارة لسلاسل التوريد، واللوجستيات المتعلقة بكيفية إيصال المنتج أو السلع المادية إلى باب المستهلك، يقول رايان جيل، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Crucible: «يتم بيع الماركات التجارية في البيئات الافتراضية الاجتماعية أو التنافسية مثل فضاءات الألعاب أو العوالم المفتوحة، حيث يعرض المستهلكون أنفسهم على أنهم أفاتار..»، أي أنه إعادة تخيل وإنتاج وصناعة وتحويل عالم الذرات إلى عالم من وحدات البت والبكسل.
ويعد مجال «اقتصاد الأفاتار» للسلع الافتراضية مجالاً ناشئاً وبوابة جديدة للاستهلاك، وبما أن الاستهلاك «تعبير عن الهوية الفردية» ومسألة ذات أهمية أخلاقية، فإن التحول في عقلية الاستهلاك هو ما يقود شركات العلامات التجارية إلى تسويق سلعها افتراضياً.
تقول سامانثا جي وولف، الأستاذة المساعدة في جامعة نيويورك: «يعتبر جيل انا- وهم المواليد خلال الفترة 1995 – 2010م- الأفاتار الرقمي الخاصة بهم امتداداً لأنفسهم»، وتضيف «هذا الجيل يحب الفردية ويتحدى البنى الاجتماعية، لذلك فمن المنطقي أنه مع قضاء المزيد من الوقت في العوالم الافتراضية، فإنهم يريدون تمثيل أنفسهم بشكل فريد..».
لقد حدث تحول في عالم الألعاب عبر الإنترنت، وهو ما سيمتد إلى فضاءات السوشيال ميديا قريباً، حيث أصبحت سوقاً افتراضياً للمنتجات والسلع، وخصوصاً بعد أن تحولت من كونها لعبة مع الآخرين إلى كونها مع الآخرين في لعبة، وقد أظهرت المنتجات ذات المحتوى ثلاثي الأبعاد/الواقع المعزز معدل تحول أعلى بنسبة 94٪ من المنتجات التي لا تحتوي على 3D / AR؛ ولعل فيلم «Free Guy 2021» أكبر تصور يجسد التحول نحو «اقتصاد الأفاتار» أو اقتصاد الميتافيرس.
إن أهم ما يمكن أن نختم به حديثنا في هذا المقال هو أن هناك أشياء يمكن أن تفعلها شركات العلامات التجارية تحضيراً لولوجها فضاءات الميتافيرس واقتصاد الافاتار، ومنها دراسة إنشاء لعبة فيديو خاصة بهم، ما يمكن أن يؤدي في الواقع إلى مبيعات سلع افتراضية تصل بدورها إلى منزل المستهلك في شكلها المادي؛ وأيضاً الشراكة مع صانعي الألعاب الصاعدين وإنشاء حملات من خلال منصتهم الافتراضية يمكنها تحقيق نتائج بالعملة الرقمية للشركة. وللحديث بقية.
* خبيرة اقتصاد معرفي