لقد ترك صباح يوم الخميس، الموافق الثاني من ديسمبر لعام 1971، أثراً استثنائياً في ذاكرتي التي لم تتجاوز بعد 11 ربيعاً من الحياة، حيث أيقظني والدي باكراً وقد علت ملامحه غبطة ممتزجة بنور خفي، طالباً مني الاستعداد للمضي إلى قصر الضيافة الذي بناه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، على شاطئ الجميرا، الذي صار يعرف لاحقاً بدار الاتحاد.

«تحت راية الاتحاد»، عنوان هذا المقال، وهو كذلك عنوان الكتاب الذي ألّفته وأصدره الأرشيف الوطني بوزارة شؤون الرئاسة الذي يحظى بدعم كبير من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان ورعايته. كما تشرّف هذا الكتاب بمقدمة تفضل بها سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان. حيث سعيت من خلال هذا الكتاب، إلى توثيق تجربة مواطن إماراتي، حظي أن يشهد لحظة قيام الاتحاد في عام 1971. تلك اللحظة الفاصلة التي خلّدها التاريخ بحضور الآباء المؤسسين.

لكم أحسست أنها لحظات مجيدة، لم تخف بساطتها ما فيها من عظمة، فحين رفع العلم، واصطف الحكام لتلتقط لهم صورة تذكارية مع الراية، التي رفرفت مع النسائم، التي هبت جذلى من جهة البحر، ما هي إلا لحظات حتى لمعت عين الكاميرا بضوئها الباهر، وبتلك اللمعة، كان الأمر قد تم: إنه الاتحاد، وصورته الأولى.

تلك الصورة التي سوف ترسخ في العقول والقلوب رمزاً لولادة دولة الإمارات العربية المتحدة، وولادة لكل إماراتي، ولحظة انتزاعه الاعتراف الدولي بوجوده، وكيانه، وآماله، وطموحاته الإنسانية التي هيأت لها دولة الاتحاد الظروف المحفزة، وأسباب التحقق والفلاح.

كانت تلك صورة جامعة، فيها الإرادة الموحدة و«البيت المتوحد».

خمسون عاماً مضت بين ذلك الخميس الثاني من ديسمبر 1971 والخميس الثاني من ديسمبر 2021، وهي مسيرة تدعو للفخر والاعتزاز بالنظر إلى حجم الجهد والعطاء والإنجازات، وبناء نهضة وطنية وإنسانية جديرة بالتدوين والتوثيق.

لا يستقيم الحديث عن الاتحاد دون ذكر دور الآباء المؤسسين في بنائه، والدرجة العالية من الالتزام في توحيد كيانه، والارتقاء بإنسانه، والتضحية في سبيل تقوية أركانه. ثم كيف انتقلت تلك الراية المباركة من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التمكين بكل سلاسة وكفاءة. فحمل قادتنا في مرحلة التمكين الراية وأكملوا المسيرة بكل تفانٍ وإخلاص.

وقد كان لي شرف الإسهام بجهد متواضع في ظل قيادة رشيدة، وضعت الوطن والمواطن، وكل ما فيه سعادة الإنسان في مقدمة أولوياتها. شرفت بالاختيار في عمل وطني في هذا العهد الميمون لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وضمن فريق العمل لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، كان ذلك في عام 2006، ولا شك أن تلك المرحلة كانت ثرية بالنسبة لي على المستوى الشخصي، فقد أدركت فيها عن قرب طبيعة العمل الميداني لصاحب الرؤية القيادية والإدارية الفذة، وتطلعاته الكبيرة للنتائج التي يجب أن تحققها الحكومة. أما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فترجع بداية معرفتي بسموه بعد تأسيس جامعة زايد في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. هو بلا شك شخصية قيادية استثنائية، له صفاته ولمساته الراقية، مستمع من الطراز الأول، لم أخبره يقاطع متحدثاً قط.

ولي مع سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان تجربة ثرية أخرى، منذ أن كان سموه رئيساً لمكتب رئيس الدولة في عهد الوالد الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، خبرته داعماً قوياً لمبادرات التعليم وتطويره، ومن أوائل الذين أدركوا أهمية التعليم الإلكتروني للمراحل الدراسية المبكرة. أما معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، فهو بالنسبة لي بمثابة القائد والمعلم والقدوة، وتمتد معرفتي به لأكثر من 35 عاماً. استلهمت منه الكثير، وتعلمت منه المبادئ الرصينة للعمل والمثابرة وتحقيق النتائج.

كم هو شرف عظيم أن نعيش في وطن قادته ورجاله أمثال هؤلاء العظماء الملهمين، وأن نعمل في ظل قيادتهم الاستثنائية.

إنها الإمارات، موطن العز والفخار. حفظ الله الوطن وقادته، وأدام عزه وازدهاره.