قال بنجامين فرانكلين، وهو واحدٌ من أهم مؤسسي الولايات المتحدة، في خطابٍ إلى العالم الفرنسي جان بابتيست، عام 1789: «لا يمكن القول بأن هناك شيئاً مؤكداً في هذا العالم سوى الموت والضرائب»، وهي مقولة أسيء اقتباسها على نطاق واسع، كاستعارةٍ لطبيعة الفناء التي لا مفر منها، والشبح الذي يداهمنا دائماً، وهو مُحصّل الضرائب، وأنا أتفق معه في ذلك إلى حدٍ كبير. فالضرائب، من الناحية المثالية، تمثّل آلية مفيدة وضرورية، يسهم من خلالها أعضاء المجتمع في الخدمات المشتركة، و/‏أو وسائل الراحة التي تضمن تلبية الاحتياجات الأساسية، وبالتالي، وضع أساس عادل ومتحضّر، يمكّن المجتمعات والشركات من الازدهار. وبالرغم من ذلك، مع استمرار ترابط العالم الذي نعيش فيه بشكل أكبر، لم تعد نتيجة التصميم الضريبي بسيطة كمصدرٍ للإيرادات، ولكنها أصبحت تشكّل توازناً دقيقاً، يمكنه التأثير على مجموعة واسعة من العوامل لكل من الشركات والدول، على حدٍ سواء.

لا تطبّق دولة الإمارات أي ضريبة دخل اتحادية، وإنما تطبق ضريبة دخل مستهدفة، تقتصر على البنوك الأجنبية وشركات النفط، ما يجعلها مواتية للغاية لاستقطاب الوافدين الذين يشكلون حوالي 80 % من السكان، ويعيدون ضخ جزءٍ على الأقل من أرباحهم في الاقتصاد المحلي، من خلال الاستثمارات والإنفاق الاستهلاكي، ومع ذلك، وبحسب ما أوضحه مركز السياسات الضريبية التابع لمؤسستي «أوربان إنستيتيوت» و«بروكينجز إنستيتيوشن»: «لا تعتمد الآثار طويلة الأجل للسياسات الضريبية، على آثارها التحفيزية فحسب، بل تعتمد أيضاً على آثارها على العجز في الموارد». 

وعلى هذا النحو، طبّقت دولة الإمارات، مع عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، ضريبة القيمة المضافة، أول يناير 2018، كوسيلة لتوفير مصدر جديد للدخل، الذي بحسب مصادر حكومية «سيستمر استثماره في توفير خدمات عامة عالية الجودة، مع دعم الحكومة في المُضيّ قدماً نحو رؤيتها الرامية إلى الحد من الاعتماد على النفط، والمواد الهيدروكربونية الأخرى كمصدرٍ للإيرادات». ولا شك أن هذه الخطوة، كانت تمثل من منظور الاقتصاد الكلي إنجازاً بارزاً. فبتطبيق معدل ضريبة لا يتخطى 5% على الشركات التي تتجاوز توريداتها ووارداتها الخاضعة للضريبة 375,000 درهم (102,110 دولارات) فقط، كان الأثر ضئيلاً وأكثر ملاءمةً بالتأكيد عند مقارنته بالمتوسط العالمي للضريبة، الذي يتراوح بين 10% و20%، وتمكّنت حكومة الإمارات في الوقت نفسه، من تحصيل 27 مليار درهم في السنة الأولى فقط، وكانت المحصّلة النهائية، أن واصلت الشركات والمقيمون التمتع بمزايا العيش في الإمارات، بينما تمكنت الحكومة من تحصيل ما يقرب من 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي لديها، ما يعني تحقيق مكاسب مُعتبرة للجميع تقريباً، باستثناء صناعات الذهب والماس في البلاد.

وبعد أن نمت قطاعات الماس والذهب والمجوهرات، من حالة عدم الوضوح التي كانت تعتريها، لتشكّل 27% من اقتصاد دبي غير النفطي، على مدار عشرين عاماً، أصبحت صناعاتٍ رئيسة، وجدت في الإمارات سوقاً خصبة، بفضل ما تتمتع به من موقع جغرافي، وبنية تحتية، بالإضافة إلى الشفافية وسهولة مزاولة الأعمال التجارية، وكذلك اللوائح الضريبية المواتية.  

وبفضل ما تتحلى به قيادتنا الوطنية من فطنة، سارع مجلس الوزراء الموقر، إلى اعتماد آلية الاحتساب العكسي لضريبة القيمة المضافة على الذهب و/‏‏‏‏‏أو الماس و/‏‏‏‏‏أو المنتجات، التي يكون المكون الرئيس فيها هو الذهب والماس، أي المجوهرات، في المعاملات التجارية بين التجار المسجلين، وبذلك نجح في الحفاظ على مكانة دولة الإمارات، كمركز تجاري استراتيجي، مع قدر ضئيل من الضرر، نتيجة الأشهر الخمسة الأولى من عدم اليقين بشأن ضريبة القيمة المضافة. ولو لم يتم تطبيق هذه السياسة، لما كان لمسرّعات الصناعة التي ظهرت خلال الجائحة، ذلك الأثر في النجاح المستمر لدولة الإمارات. ونخلص من هذا، إلى أن قرارات الاقتصاد الكلي الأكثر جدوى على المدى الطويل، تُتّخذ على أفضل نحوٍ، عندما يكون هناك فهم واضح للنتائج، وكيف أنها ستدرّ مكاسب نهائية لمجتمعنا الأوسع، وهو شيء تُجيده قيادتنا الوطنية بصورة منقطعة النظير.

ومن الجدير في هذا الصدد، الاستشهاد بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حين قال سموه: «الغاية من الإدارة الحكومية، هي خدمة الناس، الغاية من الوظيفة الحكومية هي خدمة المجتمع، الغاية من الإجراءات والأنظمة والقوانين هي خدمة البشر. لا تنسَ ذلك، لا تمجّد الإجراءات، ولا تقدّس القوانين، ولا تعتقد أن الأنظمة أهم من البشر». وهذا هو ما يقودني إلى موضوع هذا المقال. 

ففي خضم التحديات التي ظهرت على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، لم تتغلب دولة الإمارات على العاصفة فحسب، بل خرجت منها كمركز للاستقرار، مجهز ومؤهل فنياً على نحوٍ أفضل، بفضل القرارات الحكيمة التي اتخذتها القيادة الرشيدة. وإن الإمارات لتجد نفسها تقف على ميزة فريدة، من خلال إيجاد وتعزيز الأدوات والتقنيات المناسبة، للحفاظ على سلامة الناس، مع تمكين الأعمال التجارية، ليس فقط من الاستمرارية، ولكن أيضاً من التوسع بوتيرة سريعة. وفي ما يتعلق بالأحجار الملونة، خاصة الياقوت والزمرد والزفير والماس الصناعي، فإن الأمر يتعلق على نحوٍ أكبر، بخطوة جانبية، وليس بصناعة جديدة تماماً، ومع ذلك، في عصر تجزئة الصناعة، أصبحت دبي مجهزة بشكل خاص، لتوفر ذراعاً استراتيجية وداعمة لمراكز، مثل هونغ كونغ وبانكوك، والتي ستستفيد بشكل متساوٍ من وجود سوق أكثر كفاءة، من حيث معدلات الضرائب المنخفضة. 

وفقاً لتحليل أجراه مركز دبي للسلع المتعددة مؤخراً، لا تمتلك دولة الإمارات حالياً حصة كبيرة من سوق الأحجار الكريمة الملونة، ومع ذلك، لو كان من الممكن إقناع التجار باستهداف دبي لتوسيع أعمالهم، لأحدث ذلك نشاطاً اقتصادياً إضافياً، يصل إلى 4 مليارات دولار. وعلى نحوٍ مماثل، في ظل التقدم التكنولوجي الذي تشهده البلاد، يمكن لسوق الماس الصناعي، أن يضيف نشاطاً آخر بقيمة 6 مليارات دولار، كجزء من قطاع أعمال عالمي بقيمة 20 مليار دولار تقريباً، وذلك لما له من فائدة إضافية في القطاعين التجاري والصناعي. لذا، إذا كان الاتجاه الصعودي المحتمل كبيراً بهذه الدرجة، فلماذا لم يتجه السوق بالفعل إلى هنا؟ السبب في ذلك، هو ضريبة القيمة المضافة، والرسوم الجمركية. فعلى الرغم من تطبيق أشكال الضرائب على نطاق واسع، إلا أن وجودها يُعد عائقاً كافياً، يحول دون استقطاب صناعة الأحجار الكريمة والماس الصناعي، ومع ذلك، مما يدعو للتفاؤل، أنه ليس بالضرورة أن يكون الأمر على هذا النحو، وفي ما يتعلق بضريبة القيمة المضافة، يمكن للحكومة تعديل السياسة، دون أن تخسر فلساً واحداً. 

لنفترض إجراء صفقة لبيع سلعة ثمينة يدفع فيها المشتري 100 مليون دولار، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة بمبلغ 5 ملايين دولار، إذا كان كلا الطرفين مسجلاً لدى الهيئة الاتحادية للضرائب. في هذه الصفقة، يُصدر البائع فاتورة ضريبية إلى المشتري بقيمة 105 ملايين دولار (شاملة ضريبة القيمة المضافة)، ويدفع ضريبة القيمة المضافة بمبلغ 5 ملايين دولار إلى الهيئة الاتحادية للضرائب. ويدفع المشتري أيضاً مبلغ 105 ملايين دولار إلى البائع، شاملاً ضريبة القيمة المضافة، بقيمة 5 ملايين دولار، والتي تشمل مطالبةً خاصة بضريبة المدخلات في إقرار ضريبة القيمة المضافة عن مبلغ 5 ملايين دولار، ما يعني أن ضريبة المدخلات، ستؤدي إلى خفض أي ضريبة مخرجات مستحقة الدفع، أو ستكون متاحة كاسترداد للمطالبة من الهيئة الاتحادية للضرائب. ومن ثم فإن هذه الصفقة، في الأساس، تُعد معاملة محايدة لجميع الأطراف. هذه بالطبع هي العملية المقصودة للمعاملات بين الشركات، ومع ذلك، فإن متطلب التمويل يمثل تكلفة مباشرةً على المشتري، وهو ما يُفسد ربحية الصفقات الحالية، ويعوق المنضمين الجدد إلى السوق. ويمكن حل هذه المسألة، من خلال اعتماد نسبة الصفر على توريد السلع النفيسة، أو آلية احتساب عكسي مماثلة لتلك المطبقة على الذهب والماس، فهذا لن يؤدي إلى تبسيط العملية فحسب، بل سيخلق بيئة مباشرة، يمكن فيها تسهيل التداول. 

وفي ما يتعلق بالرسوم الجمركية، تخضع السلع الثمينة حالياً لمعدل عام يبلغ 5 %، ولكن، على عكس المبلغ المطبق في ضريبة القيمة المضافة على الشركات، فإن الضريبة المكتسبة، لا تضاهي السوق التي تتم خسارتها. وبموجب اللوائح الحالية، عند استيراد الأحجار الكريمة الملونة إلى دبي، يتم تطبيق رسوم غير قابلة للاسترداد بنسبة 5 %، ما يعني أن الشركات ليس لديها خيار عمليّ آخر، سوى الاستعانة بمقدم خدمات لوجستية أمنية لشحن البضائع، باستخدام سند استيراد مؤقت، ومع ذلك، فإن هذه التكاليف كبيرةٌ أيضاً، نظراً لوزن وقيمة البضائع. وفي المرحلة التالية، سواءً تم بيع الأحجار أم لا، يجب أن تغادر البضائع دبي وتعود إلى بلد المنشأ، وبعد ذلك، يمكن توزيعها على المشترين. وسيؤدي قيام دولة الإمارات بإلغاء الرسوم الجمركية على السلع الثمينة، أو تبسيط إجراءات تعليق الرسوم الجمركية، إلى تحفيز السوق العالمية للاستفادة من كل ما تقدمه الدولة، بالإضافة إلى تحسين سهولة مزاولة الأعمال، في صناعةٍ تعاني حالياً من الضمانات المالية المرتفعة، والتكاليف غير الضرورية. 

تُجدر الإشارة إلى أن مكانة دبي الحالية، كمركز رائد عالمياً في أسواق الذهب والماس، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقرار مجلس الوزراء الإماراتي بالتعلم من الأخطاء السابقة للاقتصادات العالمية الأخرى، وعكس ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 % للمستثمرين على مستوى البيع بالجملة، وهذا ما جعل دبي تقترب من أن تصبح أكبر مركز للماس في العالم، بعد أن نجحت بشكل كبير، في سدّ الفجوة بينها وبين مدينة أنتويرب، من حيث أحجام تجارة الماس الخام والمصقول. وفي حال تطبيق الاستراتيجية ذاتها على الأحجار الكريمة والماس الصناعي، ستتمكن دبي مرة أخرى، من أن تكون مركزاً رئيساً لنوعين من السلع عالية القيمة، تمت تهيئة بيئة مناسبة لهما بالفعل، في إطار البنية التحتية الحالية، والموقع، وسهولة مزاولة الأعمال.

  * الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة