قبل ثلاث سنوات وتحديداً في عام 2018 وفي فعالية للاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، تحدثت فيها وبشكل استشرافي عن التحديات التي تواجهنا كدول عربية وإسلامية على صعيد الامتثال للقيم والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، وحذرت حينها من التحديات التي ستواجه دولنا على صعيد القضايا المرتبطة بالميول والهوية الجنسانية، وطالبت بضرورة العمل وبشكل عاجل لمواجهة هذه التحديات التي ستكون واقعاً نعيشه خلال 5 سنوات، واعتقد الكثير حينها أنني قد بالغت جداً، فهذه القضايا لن تكون أبداً تحدياً لدولنا ومجتمعاتنا.
تاريخياً تأطرت العلاقة بين قضايا الميول والهوية الجنسانية وحقوق الإنسان منذ عام 2008، مدفوعة بحراك دولي لمنظمات الميم والمنظمات الحقوقية، وذلك بتقديم فرنسا وهولندا ممثلتين عن الاتحاد الأوروبي بياناً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2008 لاعتماده قراراً يهدف لمد حماية المنظومة الدولية لحقوق الإنسان لتلك القضايا، وقدمت المجموعة العربية بدعم من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بياناً معارضاً للبيان الأوروبي.
في يونيو 2011 بدأت جولة جديدة من الحراك الدولي الهادف لتأطير قضايا الميول والهوية الجنسية بقرار قدمته جنوب إفريقيا لمجلس حقوق الإنسان، يطالب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بدراسة وتوثيق القوانين والممارسات التمييزية وأعمال العنف ضد الأفراد على أساس ميولهم وهويتهم الجنسية، وهو القرار الذي حضي بدعم 23 دولة، ومثل في الوقت نفسه البداية لشمول قضايا الميول والهوية الجنسية بمظلة التشريعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وفي عام 2014 تم البناء على هذا القرار بقرار قادته البرازيل وتشيلي وكولومبيا والأوروغواي يتعلق بحقوق الإنسان والميول والهوية الجنسية، واعتمد القرار بدعم 25 دولة، ما عدّ بداية للتحول الدولي الداعم لحركة الميول والهوية الجنسية، إذ صاحب هذا التغيير بداية تضمين الميول والهوية الجنسية في مؤشرات الدول المعنية بحقوق وحرية الإنسان منذ عام 1986، كما أصدر مجلس حقوق الإنسان قراراً في عام 2016 بتعيين خبير مستقل معني بالعنف والتمييز ضد الأشخاص بسبب ميولهم وهويتهم الجنسية، وعلى الصعيد الإقليمي وافقت منظمة الدول الأمريكية الـ34 وبالإجماع على أن حقوق الإنسان تمتد إلى الميول والهوية الجنسية في عام 2008، في حين لم تأخذ كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وأيضاً الأمانة العامة لدول مجلس التعاون هذا التحدي الخطير والمتزايد بجدية، ولم تبادر إلى تفعيل آلياتها الإقليمية وشبكة علاقاتها الدولية الواسعة في التصدي لهذا التهديد العابر بقوة لدولنا وأقاليمنا ومجتمعاتنا، وهو ما أوجدنا اليوم في مواجهة غير متكافئة مع تلك القضايا ولا سيما على الصعيد الدولي، بعد أن عبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها عن دعمها للميول والهوية الجنسية من عام 2000.
أخيراً، برزت تلك التحديات واقعاً للكثير من دولنا العربية والإسلامية والخليجية، وسوف يشهد عام 2022 بحسب نتائج رصد مؤشرات العناية الدولية بقضايا حقوق الإنسان، تأكيد وتعزيز شمول الحماية الدولية للقانون الدولي لحقوق الإنسان للأشخاص ذوي الميول والهوية الجنسية كافة، وستتخذ فيها عدد من القرارات الداعمة بالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، والسؤال الأهم بالنسبة لنا في العالم العربي والإسلامي تحديداً، كيف سنعمل على حماية دولنا ومجتمعاتنا من تفشي هذه الظاهرة الشاذة والمنافية للفطرة الإنسانية السليمة والمهددة لوحدة وسلامة مجتمعاتنا، وما عسانا أن نعمل لمواجهة ما تمثله من تحديات وأخطار على دولنا ومجتمعاتنا، هذا السؤال نحمله ونحمله بكل مسؤولية للجميع أفراداً ومؤسسات ومنظمات غير حكومية، فالحاجة ملحة إلى وضع خطة عمل فاعلة تخرج باستراتيجية ناجعة لمراجعة وتطوير التشريعات وتفعيل الآليات الإقليمية والوطنية الكفيلة بحماية دولنا ومجتمعاتنا من هذا التوجه الدولي الهادف إلى تشريع الميول والهوية الجنسية على المستوى الدولي وشمولها بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما نأمل أن تضطلع به الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي انطلاقاً من موقفهما الثابت بالأمم المتحدة.