اختتم عالمنا العربي سنته الماضية بعراك داخل البرلمان الأردني، وكان سبب الشجار أن بعض الأردنيين اعترضوا على تعديل دستوري يساوي بين الرجال والنساء.

وكانت العبارة المستفزة لبعض البرلمانيين هي لفظة «الأردنيون والأردنيات». قد تكون مجرد مساواة لغوية في القرن الحادي والعشرين، واعتراف أن كل المجتمعات بما فيها المجتمع الأردني مكون من نساء ورجال.

والغريب في الأمر أن القرآن الذي يجله ويحتكم له الجميع يقول في سياقات متعددة: المؤمنون والمؤمنات والمسلمون والمسلمات والذكور والإناث. وعلى سبيل المثال خذ الآية 35 من سورة الأحزاب حيث يقول جل وعلا:

«إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْراً عَظِيماً»،

لكن بداية السنة كانت بداية طيبة، حيث اجتمع الأشقاء الخليجيون مع بعضهم- بالإضافة إلى مصر-في محافظة العلا في المملكة العربية السعودية، والتي عرفت بـ «قمة السلطان قابوس والشيخ صباح»، لبحث الخلافات بين دول الخليج، والتوصل إلى إجماع خليجي حول قضايا المنطقة، والعمل الخليجي والعربي المشترك، وبهذه القمة وإعلان العلا، تم طي صفحة أكبر أزمة واجهتها دول الخليج منذ غزو صدام للكويت.

وقد خلقت هذه الأجواء الإيجابية مع مجيء إدارة أمريكية جديدة انفراجات كبيرة في المنطقة. ومهما يقال على الأمريكي جو بايدن إلا أنك أمام شخصية سياسية تستطيع أن تتنبأ بتصرفاته، وما يحمله من أفكار، وقد زعم الكثيرون أن الإدارة الحالية عازمة على الخروج من الشرق الأوسط، والسبب أن الولايات المتحدة لها هم أكبر يتعلق بالتوازن مع الصين في منطقة الباسفيك.

والفكرة قديمة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التوجه شرقاً، وقد صعّد الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي خلف أوباما، من لهجته تجاه بكين وفرض رسوماً جمركية للحد من مكاسب الصين التجارية، كما حرض الحلفاء بعدم استخدام تكنلوجيا الجيل الخامس الصيني (هاواوي) لأن الصين تستخدمه للتجسس على المستخدمين،

ولكن ما عزز وجهة النظر هذه الانسحاب المرتبك والمربك للولايات المتحدة من أفغانستان، والصحيح أن الولايات المتحدة لم تعد كما كانت تتربع على عرش الهيمنة العالمية فيما بعد الحرب الباردة في تسعينيات القرن المنصرم، وقد برز منافسون عالميون لتسيّد واشنطن على النظام الدولي، ومن الصحيح أيضاً أن الولايات المتحدة هي القوة الأولى اقتصادياً وعسكرياً، وسياسياً، ودبلوماسياً رغم المنافسين الكبار، سواء كانت الصين أو روسيا أو الهند في المستقبل.

وللولايات المتحدة مصالح حيوية في المنطقة لن تحيد عنها أية إدارة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية. أمن إسرائيل من أهم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، بسبب العلاقات التاريخية.

النفط عامل آخر يأتي في أولويات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، والنفط ليس سلعة اقتصادية في حسابات واشنطن فحسب، بل أيضاً ذات قيم استراتيجية. والولايات المتحدة تمارس هيمنتها من خلال تحقيق استقرار للطاقة العالمية، وقيادتها للعالم سيكون موضع شك إذا ما لم تحقق هذا الاستقرار. وهذا مهم بالنسبة لواشنطن- تقوم أطراف أخرى بالمهمة، والنفط، رغم تحقيق الولايات المتحدة للاكتفاء الذاتي، فهو مهم لبقية حلفاء وشركاء الولايات المتحدة التجاريين والاقتصاديين،

ولكن هذا الشعور والإدراك جعل دول المنطقة تبحث عن حلول وبدائل لخلق ظروف مواتية لتعزيز استقرارها، وتجاوز عقدة الانسحاب الأمريكي من المنطقة، على الرغم من ضعف الدليل على الانسحاب الموهوم، ورأينا تحركات إقليمية لتصفية النزاعات وتصفير الخلافات، ورغم أنه من المبكر الحكم على نتائج التحركات النشطة، إلا أن اجتماع السعودية مع إيران بوساطة عراقية تشكل بادرة أمل لنزع فتيل الأزمة في المنطقة وحللت قضايا كثيرة في المنطقة، وعلى رأسها لبنان وسوريا واليمن والعراق.

وقد حدث التقارب بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا بعد عقد من التوتر، وقد قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بزيارة رسمية وتاريخية لتركيا، ووعد باستثمارات كبيرة لتعزيز الاقتصاد التركي، والذي شهد تراجعاً كبيراً في الآونة الأخيرة. كما قام سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي، بزيارة إلى طهران، وقابل نظيره الإيراني، والرئيس إبراهيم رئيسي.

وفي العام الفائت تراجعت الحوكمة في العالم العربي، ففي لبنان هناك ساسة منتخبون، ولكن شرعيتهم تتقلص مع كل وقت، وحزب مسلح يفرض إرادته على الجميع، والسودان دخل في معترك بين مكونيه العسكري، والمدني، وتونس كانت متقدمة على شقيقاتها العربيات في التطور السياسي ومتانة المجتمع المدني، ولكن المشاحنات الحزبية والفئوية الضيقة أبت إلا أن تفعل فعلها.

أما قضية فلسطين فلا تزال تراوح مكانها، بل إنها في تراجع مستمر، ولم تكن 2021 بأفضل حال من السنين الأخيرة ؛ ففي مايو الماضي قامت القوات الإسرائيلية بهجومها على غزة ولمدة 11 يوماً، ولم تستطع إدارة بايدن، كما أسلافها، إلا بتصريح عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، والظاهر أن الإدارة الأمريكية في موقع لا يسمح لها باتخاذ مبادرة جديدة لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

هذا غيض من فيض، ونحن من العام أوله، ولا أحد يستطيع التنبؤ بأيامه، وكما قال الشاعر: الليالي من الزمانِ حُبالى مثقلاتٍ يلدن كلّ عجيبِ!