تعترض الإنسان في حياته ظروف ومواقف، يمر خلالها بمحطات مختلفة من السعادة والحزن، والسعة والضيق، والأفراح والأتراح، وهكذا هو شأن الحياة، لا تدوم لأحد على حال، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الأسر أو المجتمعات أو العالم أجمع.

والمؤمن يحسن التعامل مع القدر، ويتحلى بالقيم الإيمانية في مختلف المواقف التي تواجهه، وأول هذه الأمور والركائز الإيمان بقضاء الله وقدره، بأن يوقن المؤمن أن ما أصابه من شيء خيراً كان أو شراً لم يكن يخطئه، وما أخطأه لم يكن يصيبه، وأن الناس جميعاً لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيءٍ قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيءٍ لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأن كل ما يجري في هذا العالم هو بتصريف العزيز الحكيم، وكل ما يقع من أحداث فهو بمشيئته جل في علاه، فيعيش في طمأنينة وسكينة وانشراح صدر، مفوضاً أموره إلى الله تعالى، متوكلاً عليه.

ومن الآداب المهمة كذلك في التعامل مع القدر الشكر في السراء، والصبر في الضراء، وعدم التسخط والجزع واليأس والقنوط، ويتأكد ذلك في الأزمات والشدائد، فيتسلح فيها المؤمن بالصبر والثبات وحسن الظن بالله تعالى، متشبثاً بالأمل والتفاؤل واليقين، متجنباً حال من أخبر الله تعالى عنهم في قوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}، وهو حال من لم ترسخ قدمه في الإيمان، فإن حصل له ما يهواه عبد الله، وإن أصابه بلاء تسخط وشك في ربه واتهمه، وقد نزلت الآية في قوم كانوا يأتون المدينة، فكان أحدهم إذا صح جسمه وكَثُر ماله قال: هذا دين حسن، وإن أصابه مرض وقلَّ ماله قال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شراً، فينقلب عن دينه، والمؤمن ثابت في السراء والضراء، يتقلب فيها بين منازل الشكر والصبر.

وقد ضرب الله تعالى المثال بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في عظيم صبرهم وقوة يقينهم، فقد كانوا أشد الناس ابتلاء، ومع ذلك كانوا أكمل الناس إيماناً وأكثرهم صبراً واحتساباً، فهذا نبي الله أيوب عليه السلام أصيب في نفسه وماله وأهله، وابتلي بلاء عظيماً، وكان في ذلك كله صابراً محتسباً، حتى فرج الله عنه، قال تعالى في قصته: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} أي: تذكرة لمن ابتُلي في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب عليه السلام، حيث ابتلاه بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرَّج الله عنه.

ومن آداب التعامل مع القدر كذلك حسن الظن بالله، فلا يظن المؤمن بربه إلا خيراً، وأنه سبحانه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأنه أرحم به من نفسه، وأعلم بمصلحته منه، وأن المحن في طياتها منح، وأن التحديات مهما عظمت ففي ثناياها فرص، ولا يتهم الإنسان ربه فيما يُجريه عليه من أقداره، فإنَّ علم الإنسان قاصر محدود، والله تعالى يعلم بعواقب الأمور ما لا يعلمه العبد، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

ومن الآداب في التعامل مع القدر بذل الأسباب في تجاوز التحديات والمصائب، فهو من باب دفع القدر بالقدر، كدفع المرض بالتداوي، والفقر بالغنى، بل لا يمكن لإنسان أن يعيش إلا بذلك، فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف كلها من القدر، والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر، وذلك من تمام التوكل على الله تعالى، وقد امتدح الله تعالى المؤمنين المتصفين بهذه الصفة فقال: {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.

إن التحلي بالآداب الإيمانية في التعامل مع القدر سبب للسعادة والطمأنينة وانشراح الصدر، ومن أهم أبواب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

 

* كاتب إماراتي