قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان العلماء في مختلف بقاع العالم على تواصل علمي دائم، بحيث يقوم كل عالم بإرسال آخر ما توصلت إليه العلوم والأبحاث إلى إحدى المجلات العلمية، أو يقوم بإرسال التقارير إلى أصدقائه العلماء في أي دولة أخرى، مما جعل مسيرة التطور العلمي سريعة جداً بفضل هذا التعاون العالمي بين العلماء.
ولذلك من الصعب أن ننسب الفضل في اختراع المذياع لعالم واحد، فقد تمكن العالم الإيطالي جوجليلمو ماركوني من اختراع اللاسلكي عام 1896، حيث كان لهذا الاختراع دور كبير في ابتكار فكرة البرامج الإذاعية، والحقيقة أن للصدفة اليد العليا في نشأة الإذاعة، حيث قام مجموعة من المهندسين في إحدى الشركات الصناعية في مدينة بيتسبرغ بالولايات المتحدة بإجراء تجربة قاموا فيها بإرسال أصواتهم مع خلفيات موسيقية عبر اللاسلكي.
وفي الأيام التي تلت تلك التجربة، قام بعض من يملكون أجهزة اللاسلكي بإرسال رسائل يشكرون فيها هؤلاء المهندسين على الفقرة التي تمت إذاعتها عبر اللاسلكي، ولم يكن المقصود من التجربة استطلاع رأي المستمعين أو التمهيد لفكرة البرامج الإذاعية، ولكن رب صدفة خير من ألف ميعاد. هذا الحدث دفع بريطانيا إلى إنشاء أول محطة إذاعية في العالم عام 1920 ميلادية، ثم اقتفت الولايات المتحدة أثرها بعد أشهر قليلة من العام ذاته، وخلال 5 أعوام تم إنشاء 600 محطة إذاعية في العالم، حيث كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تمتلك محطة إذاعية عام 1925، وشهدت المملكة العربية السعودية إطلاق أول إذاعة خليجية عام 1943، ولأهمية المذياع ودوره الرائع في تثقيف المجتمع جاء إنشاء محطة إذاعية إماراتية عام 1971 منذ بداية الاتحاد، ليحمل أثير الإذاعة عبق مسيرة الاتحاد منذ انطلاقتها.
وللمبدعين والمبدعات من أصحاب الحناجر الذهبية دور فعال وملموس في التواصل مع المستمعين، وعندما نقول إن لهم دوراً ملموساً فهذا ليس تعبيراً مجازياً، فقد أثبتت الدراسات الحديثة التي قام بها علماء الأعصاب ومن يراقبون طريقة عمل الدماغ أن هناك روابط وثيقة بين حاسة السمع وحاسة اللمس عند الإنسان، فالأصوات عبارة عن ذبذبات واهتزازات تطير في الهواء إلى أن تلامس طبلة الأذن، والآليات التي يستخدمها المخ في إدراك السمع واللمس متداخلة، وتكاد تكون واحدة، وهذا دليل علمي على أن الأصوات تلامسنا ونشعر بها قبل أن نستمع إليها، وهنا يأتي دور الحناجر الذهبية التي يتم اختيارها بعناية فائقة لتلامس أصواتهم آذاننا، وتساعد برامجهم اليومية والأسبوعية على نشر الوعي والسعادة في المجتمع، وسيبقى للإذاعة دورها الفعال وجمهورها المتفاعل وتاريخها الذي يشهد لها بالنجاح، كونها من أهم الاختراعات التي توصل إليها الإنسان.