تنهد تنهداً ممدوداً بعمق، وانفرج همه. هكذا وصف قاموس اللغة - وهو لا يعترف بالمؤنث - حالتي حين تنفست الصعداء، في أعقاب قراءة تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي توقع فيه أن القمة العربية التي تستضيفها العاصمة الجزائر، سوف تُعقد في الربع الأخير من العام الحالي. ولأنني ممن يصفهم الأصدقاء تهكماً، مريضة «بالتفاؤل المزمن»، الذي لا شفاء منه، فقد فرحت بالتصريح، ليس لأنني أنتظر نتائج مبهرة لانعقادها، بل لأن شأني شأن كثيرين غيري من المواطنين العرب، نعتبر أن الانعقاد في حد ذاته، هو الحدث.
ففي عام 2000، اتفق القادة العرب على دورية الانعقاد السنوي للقمة العربية في مارس من كل عام، وانتظم هذا الاجتماع على مدار القمم التي تلت ذلك التاريخ، لكنها لم تنعقد منذ نحو عامين، في أعقاب القمة الثلاثين التي انعقدت أواخر شهر مارس 2019 في تونس. وفي تلك الأثناء، تصاعدت بعض الأصوات من هنا وهناك، تطالب بإلغائها، وتدعو إلى إغلاق مقر جامعة الدول العربية.
ومنذ بداية العام الحالي، واقتراب موعد انعقاد القمة السنوي، والأخبار المتداولة بشأن عقدها، تحفل بالتناقض، ولا تخلو من إشارات حول احتمال تأجليها، وحتى إلغائها.
تعددت مبررات تأجيل انعقاد القمة في موعدها. فجائحة «كورونا» اللعينة، سبب وجيه للتأجيل. أما الأسباب الحقيقية، فهي عدم القدرة على توفير الأجواء التي تضمن مشاركة كل الأطراف العربية بها، أو حتى الاتفاق على موعد نهائي لعقدها. فضلاً عن الخلافات المعهودة حول جدول أعمالها، وعلى القضايا التي يفترض أن تدرج في البيان الختامي. فلا سوريا عائدة إلى مقعدها المجمد في الجامعة العربية، لأسباب باتت مجهولة، بعد أن أكد الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أن ظروف تجميد عضويتها في القمة، لا تزال قائمة، ولا الملف الفلسطيني على رأس جدول الأعمال، ولا التنمية المستدامة مقدر لها أن تبقى نقطة مطروحة للنقاش والتداول الدائم، لتتكامل الموارد والثروات العربية لخدمة مصالح بلدان وشعوب المنطقة.
لكل تلك الأسباب، ولغيرها، لا يتوقع المواطنون العرب «شيئاً كهذا من القمة العربية، وما يأملون فيه، أن تنعقد، وأن يتم الاتفاق بين القادة العرب على التمسك بدورية انعقادها. لأن معنى ذلك، أنهم سيتقابلون وجهاً لوجه، ويتصافحون ويبتسمون، ويتعاتبون ويتناقشون في أي شيء، وكل شيء، خارج القاعات الرسمية، بما درج اللقاء الشخصي أن يتيحه من فرص لحوار مثمر. أو لم تلعب دبلوماسية كرة الطاولة -البنج بونج- دوراً في زيارة الرئيس الأمريكي «نيكسون» للصين، في بداية سبعينيات القرن الماضي، بما أدى لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟ ليتهم يلعبون.
كل ما نأمله من القمة العربية التي ستعقد في الجزائر للمرة الرابعة منذ بدئها، ليس إصدار توصيات وقرارات مصيرية، عصية على التنفيذ، يُلقى بها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، في أدراج الجامعة العربية، التي باتت مكتظة بمثيلاتها، لكي يطويها النسيان. طموحنا أقل من ذلك بكثير. أملنا أن يتفق الملوك والأمراء والرؤساء العرب، حول فهم مشترك لطبيعة المخاطر التي تحيط بالمنطقة، في ظل مناخ إقليمي ودولي ملتهب، لا يأبه بما يجري في بلدانها. أملنا أن تُحيي القمة العربية اتفاقية الدفاع المشترك عن الأمن القومي العربي، المعطلة منذ عقود. وأن يجري الاتفاق على حد أدنى من العمل العربي المشترك، يتم خلاله التوافق على مشركات بين الدول العربية، في الرؤية لحل أزماتها الراهنة، ووقف التدهور في العلاقات بين دولها. وأن يتعهد القادة باحترام القرار السيادي لكل دولة. والكف عن التدخل في شؤون بعضهم البعض. وأن يتدارسوا الخسائر التي منيت بها الشعوب والأوطان، من قرارات القمم السابقة، التي قضت بمقاطعة مصر، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، ليكون الرابح الأكبر، هم أعداء يتصفون بالصلف والغرور، ويحترفون التدخل في شؤون الدول العربية، لا لشيء، سوى جني المصالح، وعرقلة نهوضها وتقدمها نحو العصر.
ولو أن القمة القادمة اكتفت فقط بعقد مصالحة بين الجارتين الشقيقتين، الجزائر والمغرب، فقد نجحت. لأن ذلك يعني أن مجرد الانعقاد، يؤتي ببعض الثمار التي يمكن البناء عليها. وهو يعني أيضاً، أن يغدو المتفائلون المزمنون العرب، في «قمة السعادة» لنجاح رهانهم. أوليس ذلك أيضاً سبباً معقولاً لعقد القمة؟
* رئيس تحرير الأهالي المصرية