يخضع مستوى نجاح الدول والحكومات في العالم لأدوات قياس، منها القدرة على تخطي الأزمات والتحديات، لكن أبرز هذه الأدوات هي القدرة على تحويل الأزمات والتحديات إلى فرص جديدة عبر خلق حلول تستشرف المستقبل وتصب في خدمة وسعادة ورفاهية وصحة الإنسان والأجيال القادمة. في هذا السياق، تميّزت الإمارات، دائماً، بقدرتها على تخطي الصعاب والتحديات مثل جائحة «كوفيد 19»، والعمل بذات الوقت على خلق فرص جديدة مبنية على التجربة التي خضناها خلال الجائحة، عبر طرح مبادرات جديدة مثل «إنفستوبيا» التي تقودها حكومة الإمارات، وتجمع المستثمرين في العالم في مكان واحد.
وخلال 50 عاماً، تمكنت حكومة الإمارات من بناء وتطوير اقتصاد فعال وقوي ومتطور بحيث يواكب المشهد الاقتصادي العالمي ويتكيّف مع متغيراته، وفق رؤية حكيمة ورشيدة واستشرافية لقيادة هذا الوطن، وهو ما أدهش العالم وحوّل الإمارات إلى مركز اقتصادي إقليمي وعالمي. وعبر هذا النهج، جذبت الإمارات استثمارات من مختلف دول العالم، وخلقت بيئة أعمال وبنية تحتية متكاملة قادرة على توفير الخدمات لأي استثمار أو أفكار خلاقة، مما يعزّز مكانتها كمركز استثماري للأسواق الأسرع نمواً في العالم، انطلاقاً من أفريقيا، ووصولاً إلى وسط وشرق آسيا.
فلماذا «إنفستوبيا»؟ وما هي أهميتها بالنسبة لدولة الإمارات؟
سأجيب عن هذا التساؤل انطلاقاً من المتغيرات العالمية التي يمر بها عالمنا على مختلف الصعد، إذ تقود التغيرات الاقتصادية الهائلة والمتسارعة في العالم إلى تشكل بنى اقتصادية جديدة أو نظام جديد للسوق العالمية. في استطلاع رأي أجرته شركة «بلاك روك» المعنية بإدارة الأصول، والشريك الاستثماري لقمة «إنفستوبيا» في الإمارات، طُرح سؤال حول ملامح السوق العالمية في النصف الثاني من 2022 وما بعده، وأجاب 74% من المشاركين بأن العالم سيشهد ولادة نظام جديد للأسواق في العالم، وذلك في ظل التطورات الجيو-اقتصادية والجيو-سياسية حالياً في العالم. ويتخلّل تشكّل ملامح البنى الاقتصادية الجديدة في العالم تطورات تقنية متسارعة أبرزها «ميتافيرس» والعملات الرقمية والقفزات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي بالمجمل تطورات كبيرة تترك أثراً عميقاً في حركة التجارة والاستثمارات العالمية. وبناء عليه، نطرح سؤالاً جوهرياً: ما هي خطتنا لنواكب التغيرات العالمية؟ الخطوة الأولى هي فهم هذه التغيرات ونتائجها وانعكاساتها، وبالتالي وضع حلول وسياسات اقتصادية مناسبة، ومن هنا تأتي أهمية «قمة إنفستوبيا» هذا الشهر في الإمارات.
إذاً، دولة الإمارات لا تراقب التطورات الاقتصادية العالمية فحسب، بل تواكبها، وتدرسها وتحللها عبر هذا النوع من المبادرات والقمم والمنتديات، وهذا النهج هو الذي يحمي الاقتصاد خلال الأزمات العالمية ويخفف من آثارها عليه، حيث مثلاً أشار تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، «الأونكتاد»، إلى أن الإمارات كانت ضمن أفضل دول العالم فيما يتعلق بأداء الصادرات وأقلها عُرضَة للتقلبات والتأثيرات السلبية التي تعوق هذا الأداء خلال الربع الرابع من عام 2021. وجاء رصيد الإمارات على مؤشر أداء الصادرات 0.73 نقطة، وهو من الأرقام القوية التي تعكس أداءً جيداً لصادرات الدولة رغم تداعيات كورونا التي تستمر في التأثيرات على سلاسل الإمداد العالمية.
لذلك، تأتي إنفستوبيا تطوراً طبيعياً في سياق سعي الإمارات الدائم نحو التميز في كافة المجالات، رؤية وعملاً وقيادة، لتطلق أول نشاط بارز لها عبر النسخة الأولى من قمة «إنفستوبيا» العالمية من الإمارات في 28 مارس الجاري في إطار فعاليات معرض إكسبو2020 دبي ولتكون بذلك من أولى الفعاليات التي تنظم ما بعد «كوفيد 19»، حيث يجتمع خلالها أصحاب الرؤى والقادة والمستثمرون الأكثر طموحاً في العالم لإنشاء نظام جديد للبنية الاقتصادية المستقبلية، وستوجه «إنفستوبيا» الاستثمارات نحو الأسواق الناشئة، حيث يمكن أن يكون للاقتصاد تأثير في مستقبل 3.5 مليارات شخص.
لقد جاءت «إنفستوبيا» تماشياً مع «مشاريع الخمسين»، بشكل خاص المبدأ الثاني وهو «التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم...»، والمبدأ السادس «ترسيخ السمعة العالمية لدولة الإمارات هي مهمة وطنية للمؤسسات كافة. دولة الإمارات هي وجهة اقتصادية واحدة، ووجهة سياحية واحدة، ووجهة صناعية واحدة، ووجهة استثمارية واحدة، ووجهة ثقافية واحدة...». ومن هنا، فإن «إنفستوبيا» هي المنصة الأولى التي توحد جميع فرص الاستثمار المحلية ومشاريع التنمية الاقتصادية من جميع الإمارات السبع معاً تحت مظلة واحدة، كما تعزّز تدفق الاستثمارات إلى الدولة وجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 550 مليار درهم إلى الإمارات بحلول 2030، لتصل في نهاية المطاف إلى تريليون درهم بحلول 2051.
وفي الطريق نحو القمة، وقعت «إنفستوبيا» اتفاقيات مع عدد من الشركاء لإثراء نقاشات وعمل القمة، مثل دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، مكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر (استثمر في الشارقة)، القمة العالمية للحكومات، «ديلويت» الشرق الأوسط، «أكسنتشر» الشرق الأوسط، «بلاك روك»، وسيتم توقيع اتفاقيات مع شركاء آخرين مثل مؤسسة التمويل الدولية «آي إف سي».
لقد قدمت الإمارات، خلال جائحة «كوفيد 19»، نموذجاً عالمياً في مواجهة وإدارة هذا التحدّي، كما رأينا أنها فرصة أيضاً لاستشراف المستقبل ودراسة المسارات والأنماط الاقتصادية الجديدة في العالم التي تبلورت بشكل واضح خلال الجائحة، ولذلك مثلاً من الأهداف الرئيسية لـ«إنفستوبيا» أن تكون المحرك الذي يلبي احتياجات الاستثمار المستقبلية، حيث سيتم التطرق في أعمال قمتها لمجالات اقتصادية مهمة مثل إعادة تصور مستقبل العولمة ومستقبل الاقتصاد والاستثمار، الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، تمكين المرأة في عالم التمويل، التكنولوجيا المالية والأصول المشفرة والرقمية، تقنيات الواقع الافتراضي، السياسات الاقتصادية ما بعد «كوفيد 19».
لنعمل معاً من أجل مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
* وزير الاقتصاد