هناك مصطلح يشير إلى أن من يكلف أو يتطوع أو يلزم بحمل السلاح أياً كان نوعه، ليمارس العدوان ضد جهة ما لصالح جهة أخرى، نظير مبلغ من المال أو مكافأة مقطوعة أو دون مقابل، يعتبر «مرتزقاً». وهي الحالة التي لا يستطيع أو لا يرغب فيها المحارب المعني أو المكلف بالحرب، شن الحرب أو الاقتتال وحده مع خصم معروف ومحدد.
والتاريخ مليء بحالات لأناس أشعلوا نيران فتن أو صراعات أو حتى حروباً، وهم لا مصلحة لهم أبداً في نتائجها أو محصلتها النهائية، وآخرون وظيفتهم إشعال فتيل نيران الحروب وفتح جبهات للقتال على مستوى القارات الخمس..!
وفي عصر الاستعمار البريطاني أقحم أبناء الدول التي خضعت للحكم الإنجليزي، للعمل تحت قيادة ضباط بريطانيين، ليقوموا بالعمل تحت العلم البريطاني كجنود تناط بهم الحرب بالوكالة، وهنالك آلاف ممن زج بهم في أتون الحروب الإقليمية.. «كحرب البلقان - والصحراء الكبرى - أو حرب النهر».
ويرى قدماء العسكريين أن بعض الدول تضطر لإرسال جنود من دول أخرى، لدخول مواقع عمليات عسكرية دفاعاً وذوداً عن كرامة الوطن ولصد أي هجوم متوقع، أو لمساعدة دولة صديقة أو شقيقة تعرضت لعدوان أو غزو خارجي مباغت، إلا أن هنالك دولاً استعانت لأي سبب من الأسباب بمن ينضم إلى صفوفها من الأغراب، أي من غير مواطنيها، وهنالك حالات تولت فيها بعض الشركات المتخصصة جلب «مرتزقة» من دول أخرى لدعم قوات مقاتلة، نظير أجر يومي خالٍ من أي تأمين على الحياة، بمعنى أن من قبل العمل «كجندي بالوكالة»، عليه أن يحمل حياته بين كفيه ويتحمل أي نتائج..!
ومع تصاعد الحرب في أوكرانيا أظهرت مقاطع مصورة لمقاتلين أجانب، إضافة إلى تقارير استخباراتية كانت قد أشارت إلى تدفق متطوعين إلى الأراضي الأوكرانية وتبادل اتهامات «أمريكية ـ روسية» بتجنيد مرتزقة للقتال في البلاد، وسط خشية من تحول أوكرانيا إلى ساحة للحرب بالوكالة.
وبحسب وكالة فرانس برس أيضاً: فإن أعداداً متزايدة من الشبان الأفغان العاطلين عن العمل الذين يلجؤون إلى دول مجاورة هرباً من حرب طويلة كانت في بلادهم، وجدوا أنفسهم يحملون السلاح في نزاع آخر..!
كما أن العقيد القذافي كان قد تعاقد مع مئات الأفارقة من دول الجوار، للمحاربة إلى جوار أنصاره ضد الثوار الذين ثاروا عليه.. ولما سقط نظام القذافي ولقي مصرعه في لحظة يأس، هربت فرق المرتزقة الأفارقة، وتمت مطاردتهم، كما ألقي القبض على البعض.. والبعض الآخر قتل أو هرب خارج الحدود.
تقودنا هذه المداخلة إلى عصر الألفية الثالثة والفضاء المفتوح وعصر نهاية التاريخ، وفق تقويم «المايا»، وهي حقبة تاريخية جاءت بعد نهاية الحرب الباردة، وسقوط حائط برلين وتفكيكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية بأسرها، حقبة سعد سكان المعمورة بها ظناً منهم أن حقبة تاريخية أطلت مع طلائع «النظام العالمي الجديد»، فإذا بالنظام الجديد يجد من الذرائع ما يدفعه لشن حروب جديدة، بادعاء مكافحة الإرهاب الدولي وملاحقة قادته، أو تحت ذريعة كشف وتدمير أسلحة الدمار الشامل.. أو الحفاظ على الأمن القومي للبلاد.. وهي الذريعة غير المبررة، والمرفوضة إنسانياً وأخلاقياً بإجماع عالمي ضد روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
ويبقى السؤال؛ لماذا لم تتوقف الحروب على مدى التاريخ؟ وهل قدر الإنسان أن الحرب لا مناص منها في أي عصر من العصور.. أم ماذا؟
تشير التقارير المنشورة إلى أنه في العالم الآن 20 منطقة محتدمة فيها حروب واقتتال، وأن 60 منطقة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط قابلة للاشتعال في أي وقت، بل إن إمكانية نشوب: «الحرب العالمية الثالثة» محتملة في أي وقت..! ذلك أن الإنفاق على التسلح يفوق تكلفة الحاجة للطعام بثلاثة أضعاف، ولو أنفقت الدول النامية 3% مما تنفقه على السلاح والتجهيزات للحرب من آليات ورواتب لأفرادها.. لما بقي جائع أو عاطل أو لاجئ أو مشرد..
ولكن يظل ذلك مطلباً مستحيلاً، لأن الدول الصناعية الكبرى التي تمتلك وتدير إمبراطوريات مصانع السلاح، ليس من مصلحتها أن تتوقف الصراعات في شتى بقاع العالم حتى لا تتوقف مصانعها عن الدوران».
*كاتبة إماراتية