التجارب الشخصية، عبارة عن مواقف حياتية، تشكل بمجموعها حصيلة معرفة وخبرات الإنسان خلال مراحل حياته المختلفة، وبطبيعة الحال فإن هذه التجارب تستمر بالتنوع كلما تقدم الفرد بالسن. في غالب الأحيان تنشأ علاقة عاطفية قوية بين الإنسان وتجاربه الشخصية، هذه العلاقة ليست بالضرورة صحية؛ لكنها تجعل البعض فخوراً بتلك التجارب، وراضياً عن نتائجها، وقد يحدث العكس لدى البعض الآخر.

الاستفادة من حصيلة التجارب الشخصية تعد أمراً ممكناً، وأحياناً ضرورياً، سواء تعلق الأمر بالشخص صاحب تلك التجارب، أو في ما يختص بأشخاصٍ آخرين. لكن هل بالضرورة أن تكون تصرفات الأفراد، وردود أفعالهم نحو تلك التجارب عقلانية وإيجابية؟ بالتأكيد لا؛ هذا يعني أنه ينبغي على الإنسان التزام الموضوعية عندما يقدم على تقييم تجاربه الشخصية، مع أهمية الاعتراف بأي سلبيات أو أخطاء تم ارتكابها أثناء التفاعل مع أحداث ومجريات تلك التجارب. 

في بعض الأحيان تظهر إشكالية ترافق تقييم الإنسان لتجاربه الشخصية، ألا وهي إشكالية عين الرضا. في هذا الشأن يمكننا الاستشهاد ببيت شعر للإمام الشافعي، رحمه الله، يقول فيه: 

وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا

عين الرضا تجعل بعض الأفراد غير قادرين على رؤية الأخطاء التي صاحبت تجاربهم الشخصية، وبالتالي عدم التمكن من تقييم قراراتهم وتصرفاتهم المتعلقة بتلك التجارب بتجرد وموضوعية. لذلك نجد هؤلاء كثيراً ما يتغنون بتجاربهم، ويضربون بها الأمثال، ويشجعون الآخرين على الاستفادة منها، بالمقابل قد نجدهم يقللون من أهمية تجارب الآخرين، ويعملون على إبراز مساوئها، وتضخيم سلبياتها؛ كونهم ينظرون إليها بعين السخط. 

التقييم الموضوعي للتجارب الشخصية، يستلزم توافر 3 شروط أساسية: 

الشرط الأول: تحليل التجربة الشخصية، وكأنها تجربة شخص آخر، وبهذا يتخلص الفرد من مشكلة التحيزات الشخصية التي تعيق التعامل الموضوعي مع مضامين تجربته، وتختفي في الوقت ذاته إشكالية عين الرضا التي سبق توضيحها. 

الشرط الثاني: الاجتهاد في النظر إلى الصورة الكاملة للتجربة الشخصية، مع عدم إهمال التفاصيل الصغيرة. هذا الأمر يمكن الفرد من ربط تجربته الخاصة بسياقها الزمني والبيئي؛ مما يسمح بتقييمها بصورة دقيقة. 

الشرط الثالث: عرض التجربة الشخصية أمام من يثق الفرد بحكمته، ورجاحة عقله، وصراحة قوله؛ بهدف التعرف على وجهة نظر خارجية مستقلة، مع أهمية تقبل رأي الآخر بأريحية ورحابة صدر. استشارة الآخرين يمكن أن تسهم في إضاءة مناطق معتمة في التجربة الشخصية؛ على اعتبار أن ما يراه الآخرون، قد لا يراه صاحب الشأن نفسه. 

ختاماً نقول.. التجارب الشخصية بساتين الحياة، لكن تلك البساتين لا تحتوي على الزهور فحسب، بل فيها أشواك أيضاً، وهي لا تخلو من مخاطر يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية. لذلك من يود توظيف تجارب حياته الماضية لمصلحة حياته القادمة، عليه توخي الموضوعية في التقييم؛ وصولاً إلى جعل الحاضر أفضل من الماضي، مع جعل المستقبل أفضل من الحاضر، والتوفيق من الله عز وجل.