الشهرة ليست أمراً جديداً في تاريخ البشرية، فالأمر أقدم بكثير من عصر «السوشال ميديا»، والتاريخ مليء بالمشاهير ممن يستحقون الشهرة، نظراً إلى المحتوى الهادف الذي كانوا يقدمونه لمجتمعاتهم، ومنهم من اشتهروا بأمور لا تفيد المجتمع، ومحتوى لا ينبغي للشبان في زمانهم أن يقتدوا به، وكانت لهم آثارهم السلبية على مجتمعاتهم، ولكن المشاهير أصحاب المحتوى الهادف والتأثير الرائع في التاريخ الإسلامي والعربي، من أمثال الإمام مالك بن أنس، رحمه الله، تعاملوا مع هذه الظواهر السلبية بطريقة رائعة، حيث يجب على المشاهير الذين يطمحون في خدمة المجتمع اليوم، أن يقتدوا بهم، وما فعله الإمام مالك في مكة المكرمة، أحد الدروس التي يجب أن نسلط الضوء عليها.

كان الإمام مالك، رحمه الله، عالم زمانه، والكل يعرف من هو الإمام مالك، ويراقب سكناته وحركاته حتى يقتدي به، وأهل مكة والمدينة أكثر الناس معرفة بهذا الإمام الجليل، وفي يوم من الأيام، وصل رجل إلى مكة المكرمة يريد الطواف بالكعبة، فأسرع الإمام مالك وسفيان الثوري إلى الرجل، ورحبوا به ترحيباً كبيراً، وأخذ سفيان بزمام ناقته، والإمام مالك أمامه، وهما يقولان للناس: أفسحوا للشيخ، أفسحوا للشيخ. حتى أوصلاه إلى الكعبة، ثم جلس الرجل، وجلس معه الإمام مالك وسفيان يستفتونه، والناس ينظرون إلى هذا الموقف ويتساءلون، من هذا الرجل الذي يعامله سفيان الثوري والإمام مالك بن أنس بهذا الاحترام والتقدير الكبير؟.

كان هذا الرجل هو الإمام الأوزاعي، رحمه الله، ولم يكن الأوزاعي أكثر علماً من الإمام مالك وسفيان الثوري، ولكنه كان عالم أهل الشام، وبلغة اليوم، كان الأوزاعي صاحب محتوى رائع، يستحق المتابعة، ولم يكن أهل مكة والمدينة يعرفونه، فأراد الإمام مالك أن يستغل شهرته بطريقة هادفة، فقد كان يعلم أنه شخص مؤثر في المجتمع، لذلك، كان يثني على غير المعروفين من أصحاب المحتويات الهادفة، أكثر من انتقاده للظواهر السلبية، وأصحاب الأفكار غير المفيدة للمجتمع، حتى لا يشعر الناس بأن المجتمع مليء بمثل هؤلاء، وحتى لا يدفع الناس الفضول إلى متابعة ما لا يفيدهم، ولذلك، قام بهذا الترحيب الكبير للإمام الأوزاعي، لكي يخبر الناس أن هذا الرجل الذي لا تعرفونه، هو إمام كبير، ولديه محتوى يستحق المتابعة.

جميل أن يستغل المشاهير اليوم شهرتهم، كما فعل الإمام مالك، لأن الإكثار من انتقاد الظواهر السلبية، قد يصيب المجتمع بالإحباط، بينما تسليط الضوء على المغمورين من أصحاب المحتويات الهادفة، سيساعد على خروجهم من دائرة التأثير البسيط على المجتمع، إلى دائرة التأثير القوي، وسيساعدهم على الاستمرار في نشر الوعي، وسيشجع الآخرين على الظهور بمحتوياتهم الهادفة في شتى المجالات، عندما يدركون أن هنالك من سيأخذ بأيديهم إذا كانوا على الطريق الصحيح، وبدلاً من المساهمة غير المباشرة في إشهار أصحاب المحتويات غير الهادفة، من خلال المبالغة في انتقادهم، علينا أن نسلط الضوء على المغمورين من أصحاب المحتويات الهادفة، حتى تتعدد الخيارات المفيدة للمتلقي.