انتعشت آمال جماعة الإخوان الإرهابية مجدداً، بإمكانات إجراء الدولة المصرية مصالحة معها، لتفسيرها بعض الأحداث والظواهر، كما هي عادتها دائماً، وفقاً لأهوائها. وكان مسلسل «الاختيار 3»، واحداً من أسباب ذلك. وكل من تابع المسلسل، سوف يلاحظ أنه انطوى على مقاطع تسجيلية للقاءات قادة الجماعة مع قيادات الجيش، التي كانت تتولى حكم البلاد، أثناء الفترة الانتقالية، بقيادة المشير حسين طنطاوي، والتي امتدت من سقوط نظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وحتي إعلان فوز ممثل جماعة الإخوان، محمد مرسي، رئيساً للجمهورية، في واحدة من سخريات الديمقراطية التمثيلية، التي تسمح لجماعة لا خبرة لها إلا في رسم المؤامرات وتنفيذها، أن تحكم بلداً بحجم مصر.

وكشفت المشاهد التسجيلية والأخرى التمثيلية، عن حجم الضغوط العاتية التي تعرض لها محمد مرسي من قبل مكتب الإرشاد، وتحفظه على بعض القرارات العشوائية التي كانت تصدر من قبله، ثم رضوخه لتنفيذها. وبدا لمن تنقصه الأدلة، أن البلاد كانت تُحكم من مبنى مكتب الإرشاد في حي المقطم، وليس من قصر الاتحادية، مقر رئاسة الجمهورية. ولم يكن ذلك سوى ترجمة لوقائع سياسية معاصرة، حولها المسلسل بالمشاهد التسجيلية، إلى مكاشفة مفعمة بالصدق، نابضة بالحياة.

المسلسل أوضح أن ضعف شخصية مرسي المغلوبة على أمرها، التي لا تفعل سوى تنفيذ أوامر لا يقبل بها الحس الإنساني السليم، قد أفسد نواياها الطيبة. فقد استسلم لمدة عام كامل، لتنفيذ إجراءات أدخلت مصر في حالة من «الفوضي الخلاقة» الشاملة، طبقاً لوصف الأمريكية، كونداليزا رايس، تحطمت خلاله معظم مؤسسات الدولة، وانهارت علاقتها الخارجية، وفقد فيه المواطنون الثقة في أن نقاء الديمقراطية وقدرتها على حل المشكلات المتراكمة، في ظل تحكم الإخوان بالدولة. كما خاب أملهم في أن الإصلاحات الدستورية التي طالما طالبوا بها لتوسيع الحريات السياسية العامة، لم تكن خطوة إلى الأمام، إذ لم يستفد منها سوى جماعة الإخوان والتيارات الدينية المتشددة، التي لا تحفل بهدم المعبد فوق رؤوس الجميع، لتجلس منفردة على أطلاله. ليس هذا فحسب، بل قادت البلاد كذلك إلى شفا جرف من حرب أهلية وطائفية ودينية، أعدت الجماعة إعداداً مسلحاً لإشعالها، وكبدت المصريين تضحيات هائلة من أمنهم وأموالهم، ومن أرواح أبنائهم من جنود وضباط الجيش والشرطة والقضاة.

وكانت دعوة الرئيس السيسي للحوار الوطني في مصر، مؤخراً، لتجاوز تحديات المرحلة، قد فتحت شهية جماعة الإخوان للحديث عن مصالحة رسمية معها، باعتقاد لديها أن الشارع الذي اكتوى بنارها سيتقبل ذلك. ليس هذا فقط، بل هي تضع في بيان لأحد قادتها، شروطاً لعقد تلك المصالحة المزعومة، مع أنها لا تزال تعتبر ما جرى في 30 يونيو 2013 ثورة شعبية، ومع أن الدولة لا تزال تعدها جماعة إرهابية محظورة.

ساعدت التطورات التي تجري على الساحة الإقليمية، كذلك، على تصاعد حديث المصالحة الذي تروج له الجماعة وأنصارها. وبينها التكهنات بأن المحطة المقبلة للرئيس التركي، رجب طب أردوغان، ستكون القاهرة، بعد زيارته للرياض، والتحسن المنتظر في العلاقات بين تركيا وكل من مصر ودول الخليج، بجانب الانفراجة التي تمت في العلاقات بين تلك الدول وقطر، في أعقاب قمة العلا الخليجية الشهيرة، في يناير العام الماضي.

الوطن، كما قال الرئيس السيسي في دعوته، يتسع لنا جميعاً. لكن دعاة المصالحة في جماعة الإخوان، يتجاهلون في سعيهم، الإجابة عن سؤال منطقي: من يصالح من؟ الدولة المصرية تتصالح مع جماعة لا تؤمن بالأوطان، وتعتبر الوطن، كما قال مرشدها، حفنة من تراب عفن؟ مصالحة مع التنظيم الدولي للجماعة، أم تنظيمها السري المسلح، المدعوم كلاهما بالمال والسلاح والتدريب، لاستخدامه كأداة لتنفيذ مصالح أجنبية، تتناقض كلياً مع المصالح العربية؟ مصالحة مع جماعة لا تخجل من استعداء الخارج على أوطانها، وتمزيق أعلامه، ولم تجلب إلا الخراب للدول التي تمكنت من حكمها؟.

حديث الإخوان عن المصالحة، يجدد التأكيد أنهم يكرهون الحقائق، ولا يتعلمون من خيبات هزائمهم المتوالية، ويظنون أن الشعب المصري الذي لا يعرفونه، ضعيف الذاكرة. والجمهورية الجديدة، التي يرنو المصريون إلى تشييدها، يصفها الرئيس السيسي بأنها دولة مدنية ديمقراطية حديثة، ويحظر دستورها الأحزاب الدينية، وتلك هي فقط أسس الحوار الوطني ومبتغاه.

* رئيس تحرير الأهالي المصرية